خالد بن حمد المالك
يبتسمان معاً، وفي توقيت واحد، يتحدثان برؤية مشتركة لا تباين فيما بينهما، وأهدافهما متحدة، فصح القول بوصفهما كما لو كانا وجهين لعملة واحدة.
* *
هذا هو ترامب ونتنياهو، يجمعهما التهور والاندفاع، واستخدام القوة في القول والتطبيق، دون أن يضعا حساباً لما يمكن أن يحدثاه من كوارث عليهما وعلى غيرهما.
* *
تصريحات ترامب عن قطاع غزة، والتهديد بتهجير سكانها، والتلويح بأن الضفة الغربية على موعد لضمها لإسرائيل، حتى لا تكون مساحة إسرائيل في حجم قلم مقارنة بالمساحات الكبيرة للدول الأخرى بالمنطقة، تصريحات غير عاقلة، وكأنه فقد عقله بحسب وصف السيناتور الأمريكي الديمقراطي كريس ميرفي.
* *
الرئيس ترامب يتصرف بما لا يمكن قبوله، فتصريحاته متهورة، وفقاً لرأي عضو مجلس النواب الأمريكي الديمقراطي جيك أو شينكلوس، بأن الاقتراح متهور وغير معقول تطبيقه، رغم زعم ترامب بأن هناك دولاً أخرى بالإضافة إلى مصر والأردن سوف تستقبل سكان غزة.
* *
ومع تصريحات ترامب رأى الإسرائيلي أن مستقبل الشرق الأوسط يكتب حالياً، وكأن غزة ملكية أمريكية، وتملك الحق في منحها لإسرائيل، خاصة وأن الرئيس الأمريكي التزم بأن يجعل غزة جميلة جداً، وريفيرا الشرق الأوسط، مع عدم التزامه بدولار واحد في إعمارها، وهو بذلك أعظم صديق لإسرائيل على الإطلاق في البيت الأبيض، كما هو رأي رئيس وزراء إسرائيل.
* *
يتساءل الرئيس ترامب: لماذا يجبر أهالي غزة بالعيش في أماكن غير صالحة للسكن، بينما على حد قوله لا بديل أمامهم سوى مغادرة غزة، فقد كانت غزة مكاناً للموت، وما أنجزته إسرائيل مؤخراً برأيه شيء عظيم للشرق الأوسط، مخالفاً بذلك إجماع العالم.
* *
وضمن تخرصات وأوهام ترامب يرى أن سكان غزة يرغبون في مغادرتها وعدم العودة إليها، وبالتالي فهو سيدعم جهود إعادة توطينهم بشكل دائم في أماكن أخرى يعيشون فيها دون خوف من العنف، وفي منازل لطيفة، وبالتالي لا يتعرضون لإطلاق نار أو قتل، وأنه من السخف الاعتقاد بأن قطاع غزة يمكن أن يعود صالحاً للسكن بالنسبة للفلسطينيين بعد خمس سنوات.
* *
هذا التوجه الأمريكي التآمري يتعارض تماماً مع القانون الدولي، وينتهك كل حقوق الشعب الفلسطيني، وهو يأتي امتداداً لتهور الرئيس الأمريكي بإعلانه عن نيته في الاستيلاء على غرينلاند وبنما وضم كندا إلى أمريكا لتكون الولاية الـ51 وتغيير خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، والانسحاب من منظمة حقوق الإنسان ومن الأونروا.
* *
وهكذا، فقد خرج الرئيس ترامب بتصريحاته عن سنوات طويلة من السياسة الأمريكية التي تلتزم بها أمريكا في المنطقة بما هو أقل مما قاله ترامب، بإعلانه عن تهجير أهالي غزة إلى أماكن بعيدة خارج فلسطين، ما جعل إسرائيل ترى في تصريحاته بأنها فاقت كل التوقعات والأحلام الإسرائيلية.
* *
أمام هذا التهور والخروج عن أدبيات السياسة المتزنة، كان بيان وزارة الخارجية المملكة بمثابة فتح الطريق لدول العالم لترفض هذا التوجه، لأنه يمس الحقوق الفلسطينية، ويتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، وأن فرصته في التطبيق غير ممكن تحقيقها، وأن أهالي غزة هم أول من سوف يرفض التفريط بأرضهم أمام إغراءات ترامب بالسكن المريح البديل لغزة المدمرة.
* *
في بيان وزارة خارجية المملكة تأكيد على أن موقف الرياض من قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس موقف راسخ وثابت لا يتزعزع، وهو موقف أكده ولي العهد في مجلس الشورى ومؤتمر القمة العربية الإسلامية غير العادية وفي غيرهما، برفض المملكة القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة؛ سواء بالاستيطان الإسرائيلي، أو ضم الأراضي الفلسطينية، أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.
* *
وهذا الموقف الثابت للمملكة ليس محل تفاوض أو مزايدات، وأن السلام الدائم والعادل كما يقول بيان وزارة الخارجية لا يمكن تحقيقه دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعه، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وهذا ما سبق إيضاحه للإدارة الأمريكية السابقة والحالية، مما يقطع الطريق أمام أي فرصة للتطبيع بين المملكة وإسرائيل ما لم تكن هناك دولة فلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، كما أنه لا يعطي لإسرائيل وأمريكا أي أمل في القدرة على تهجير الفلسطينيين من غزة، حتى وإن تطابقت وجهات النظر الاستعمارية بين ترامب ونتنياهو.