: آخر تحديث

بين الشماغ والكوفية

2
2
2

حسمت الرياض أمرها، وردّت بثوابتها الأخلاقية والإنسانية قبل العربية والإسلامية حول القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في خطابه أمام مجلس الشورى في 18 أيلول (سبتمبر) العام الفائت، حيث أكد أن «المملكة لن تتوقف عن عملها الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون ذلك».

هذه الثوابت كانت المنطلق الذي ردّت به الخارجية السعودية على المواقف الأخيرة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول نقل سكان قطاع غزة إلى دول أخرى، إضافة إلى مواقف أخرى للإدارة الأميركية حول أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي تطيح حل الدولتين الذي يتمسك به المجتمعان الدولي والعربي شرطاً لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. حيث أكد بيان الخارجية السعودية أن «موقف بلادها من قيام الدولة الفلسطينية راسخ وثابت ولا يتزعزع، وليس محل تفاوض أو مزايدات».

الضغط السعودي المباشر والسريع، إضافة إلى الموقف العربي الموحد والدعم الأوروبي، دفع الرئيس ترمب إلى التراجع خطوة إلى الوراء بقوله إن طلب خروج أهالي غزة مؤقت. هذا التراجع يظهر لكل مؤيدي التطرف الإسرائيلي في أروقة البيت الأبيض، ولكل رافضي الحل السلمي في الدولة العبرية، أنه ليس بإمكانهم إعادة تشكيل الشرق الأوسط على حساب القضية الفلسطينية أولاً، أو التعامل مع هذه المنطقة وفقاً لتداعيات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وهزيمة المحور الإيراني ثانياً. فهزائم الجماعات المسلحة أو الأذرع الإيرانية التي تسببت للفلسطينيين واللبنانيين بنكبة جديدة، لا تعني أن النظام السياسي العربي والإقليمي، المدعوم من المجتمعين العربي والإسلامي، سيقف متفرجاً على ما يخطط له المتشددون في تل أبيب وداعموهم في واشنطن، وأن الثوابت العربية والإسلامية التي وضعتها الرياض شرطاً أساسياً لأي عملية سلام لا يمكن تجاوزها.

تهجير الفلسطينيين الطوعي أو المؤقت والتخطيط لقضم مزيد من أراضي الضفة يعني انفجار المنطقة مجدداً، حيث هناك من يدفع إلى معالجة القضية المحقة على حساب أهل الأرض الأصليين، وليس على الطرف المتعنت الرافض كل الحلول السلمية وكل قرارات الشرعية الدولية. وهذا يعني دورة عنف طويلة ستكون لها حواضن كثيرة نتيجة الظلم الذي سيتعرض له الشعب الفلسطيني، ولن تستطيع ترسانة السلاح الأميركي والإسرائيلي إخمادها. كما أنه ليس سهلاً على الإدارة الأميركية الجديدة أن تكون بهذا المستوى من الانحياز لصالح تل أبيب من دون الأخذ في الاعتبار مصالحها الأخرى، وخصوصاً علاقتها الاستراتيجية مع دول الخليج ومصر والأردن، الذي صرّح وزير خارجيته أيمن الصفدي بكل وضوح، بأن «بلاده مستعدة للحرب بحال تم تهجير الفلسطينيين إلى الأردن».

منذ قمة بيروت للسلام، لم تتجاوب تل أبيب مع أي دعوة لحل القضية الفلسطينية، بل إنها داخلياً، على المستويين الاجتماعي والسياسي، تزداد تطرفاً حتى وصل مستوى التمثيل إلى بن غفير وسموتريتش. وخارجياً، ترفض كل الدعوات الدولية من أجل حل الدولتين، وهي في ذروة تطرفها الآن، تهدف إلى إلغاء الشعب الفلسطيني وإنهاء قضيته إلى الأبد. الأمر الذي يعزز القول إنه لا شركاء سلام في تل أبيب، وإن أي معادلة خارج معادلة «السلام مقابل الأرض» لا يمكن تمريرها شعبياً أو رسمياً.

الالتزام السعودي واضح من دون مزايدات ولا تصريحات فارغة، ولكن رسالة الأمير تركي الفيصل على قناة «سي إن إن» (CNN) كانت واضحة اجتماعياً وسياسياً، حين استبدل بالشماغ السعودي الكوفية الفلسطينية، وهي تعيد التذكير بموقف الأمير بندر بن سلطان أثناء مفاوضات مدريد، عندما طلب الوفد الإسرائيلي من أحد أعضاء الوفد الفلسطيني نزع الكوفية، فقال الأمير: «أرضهم أخذتموها، ولا يستطيع حتى ارتداء كوفيته؟ إذا لم يدخل هذا الشاب الفلسطيني فسأنسحب أنا وعبد الله بشارة»، ثم عرض أن يقوم بنفسه بنزع الكوفية عن كتف الفلسطيني إذا نزع أعضاء الوفد الإسرائيلي القلنسوة اليهودية التقليدية. وفي الأمس، قام الأمير عبد الرحمن بن مساعد بتذكير متابعيه على موقع «إكس» بالموقف السعودي، عندما أعاد نشر جزء من خطاب ولي العهد حول الثوابت السعودية من القضية الفلسطينية.

عوداً على بدء، تدرك الرياض مخاطر القضية الفلسطينية على الاستقرار العالمي، وتذكّر الجميع بأن الاستقرار والسلام هما المدخل لتعزيز المصالح، وأن حل الدولتين التزام لا يمكن التراجع عنه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد