: آخر تحديث

ليلى في العراق

8
8
6

لا أدري متى ابتليتُ بلوثة الورق العتيق. أدور في أسواق العاديات وأتوقف عند الرسائل القديمة والمجلات التي اصفوفرت صفحاتها. من كان يصدِّق أن أقع في سوق البراغيث في باريس (هذا هو اسمه) على عدد من مجلة مسامرات الجيب؟ لم أجادل البائع حسبما تقتضي الشطارة في هذه الأماكن، بل اختطفت المجلة ومضيت إلى بيتي سعيدة بغنيمتي.

عمر العدد ثمانون عاماً. وريقاته بلون القمح الذي ضربته الشمس. أمرُّ عليها مرور النسيم لئلا تتفتت. أقلبها باحتراس كأنني أداعب خد حفيدي. أقع على مقال بعنوان «عوفيتْ ليلى ومرضَ الطبيب»، بتوقيع زكي مبارك. يا نهار أبيض! أليس هذا ما نسمعه في الأفلام المصرية؟

وأنا أعرف الدكتور مبارك منذ كنت في الثانوية. لم نلتق لأنه توفيَ وعمري عشرة أيام. سمعت عنه من تلميذته في دار المعلمين العالية في بغداد، معلمتي الشاعرة لميعة عباس عمارة. أديب رقيق درس في الأزهر ونال الدكتوراه في الأدب العربي من الجامعة المصرية. ودكتوراه ثانية من السوربون وثالثة من معهد اللغات الشرقية في باريس. كان لقبه بين الطلاب «الدكاترة زكي مبارك».

اختلف «الدكاترة» مع الدكتور طه حسين، فكرياً وترك الجامعة. عمل في الصحافة ثم سافر للتدريس في العراق. أحيط بالتقدير الذي يستحق وقلدوه وسام الرافدين. كان له كتاب بعنوان «ليلى المريضة في العراق». عاد إلى القاهرة وواصل نشاطه ثم ذات يوم، في أوائل 1952 سقط مغشياً عليه في شارع عماد الدين. بقي غائباً عن الوعي حتى وافته المنية (المصدر ويكيبيديا). ويحدث، بعد 20 عاماً، أن أتعرف على ابنه عبد السلام زكي مبارك، زميلنا الذي جاء للعمل في بغداد، أيضاً.

و«مسامرات الجيب» مجلة راقية. كتب فيها العقاد وطه حسين والمازني والصاوي ومندور ولطفي الخولي والسباعي. وأترك المساحة المتبقية لمقاطع من مقال الدكاترة زكي مبارك:

«يسألونني هل عوفيتْ ليلى؟ والجواب حاضر. عوفيت ليلى ومرضتُ أنا. والناس مختلفون في ليلى. هل هي شخصية حقيقية أم خيالية؟ وجوابي أنه لا يوجد دخان بغير نار. فمن الجائز أن أكون عرفت ليلى في العراق، ومن الجائز أن أكون ابتكرتها. ويصحُّ أن تكون ليلى المريضة في العراق هي ليلى المريضة في الزمالك، أو ليلى المريضة في مصر الجديدة. وحياتي كلها قامت على الغراميات. وأنا أشعر بالدفء حين أعشق. وهذا العشق جعل مني ملك الشعراء وسلطان العاشقين.

هل عوفيتْ ليلى حقاً ومرضتُ أنا؟ إن الأخبار التي عندي أنها لا تزال مريضة، وأنها تنتظر طبيبها، ولكن طبيبها العليل بسبب حبِّها لم يعد يقوى على الذهاب إلى بغداد، وهي بلد الحب وبلد الجمال. وطن ينوح فيه الحمام في كل وقت بسبب قسوة الجو. زارها الأستاذ علي الجارم وسأل عن شارع العباس بن الأحنف وفيه تقيم ليلى. ولم يهتدِ إليها لأن الشارع غير موجود».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد