: آخر تحديث

ماذا خسرت روسيا بسقوط الأسد؟

8
8
7

عماد الدين حسين

ما الذي خسرته وستخسره روسيا من نفوذ سياسي واستراتيجي بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد يوم 8 ديسمبر الماضي؟ سؤال ما زال مطروحاً بقوة بعد أن خسرت موسكو نقطة ارتكازها الأساسية في منطقة الشرق.

نتذكر أن روسيا تدخلت عسكرياً لحماية نظام بشار الأسد نهاية سبتمبر 2015، حينما تعرض النظام لتهديد جدي من الميليشيات والتنظيمات المسلّحة. وقتها وبعد حرب طاحنة استمرت أكثر من عامين وبمساعدة إيرانية أيضاً، تمكن البلدان من إنقاذ نظام الأسد. وبعدها صارت روسيا أحد أهم اللاعبين في سوريا.

على ذمة صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية ونقلاً عن مسؤولين أمريكيين وليبيين فإن منظومات الدفاع الجوي الروسية الشهيرة إس 300 وإس 400K، وأسلحة متطورة أخرى قد تم نقلها من سوريا إلى روسيا وشرقي ليبيا بعد سقوط الأسد.

هذا الانتقال يعني أن روسيا تحاول الحفاظ على وجودها العسكري في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا بعد سقوط نظام الأسد. وفي تقدير العديد من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين فما حققته روسيا على الأرض في سوريا والمنطقة من ستين عاماً وبالأخص منذ عام 2015 قد تبخر في 11 يوماً فقط، وهي الفترة التي تمكنت فيها الجماعات المسلحة من اجتياح غالبية المدن الكبرى وخصوصاً العاصمة دمشق.

نعلم أن روسيا استثمرت اقتصادياً وعسكرياً في سوريا طوال ستة عقود هي عمر حكم حزب البعث، وبالتالي فإن خروجها من سوريا بهذه الصورة سيوجه إليها ضربة قاسية لسمعتها عالمياً وخسارة استراتيجية قد لا يتم تعويضها بسهولة.

ويعتقد البعض أن تأثير هذا الخروج الروسي لن يقتصر على مصالح روسيا في سوريا فقط أو حتى في منطقة الشرق الأوسط، بل قد يؤثر فيها في مناطق أخرى كثيرة ومنها على سبيل أوكرانيا، إضافة إلى خسائر اقتصادية وعسكريه مختلفة.

حتى يوم 8 ديسمبر الجاري كانت روسيا هي الطرف الأكثر هيمنة في سوريا عبر وجودها العسكري في قاعدتين وهما حميميم وطرطوس على البحر المتوسط. الإدارة الحاكمة الجديدة في سوريا لم تقترب من القاعدتين وكانت هناك تلميحات روسية بأنها تريد البقاء في سوريا الجديدة، وحاولت بالفعل مغازلة الحكام الجدد من أجل البقاء. وحتى الآن، لم نسمع عن طلب سوري واضح من روسيا بمغادرة الأراضي السورية، بل سمعنا محاولات من موسكو للبقاء ومساعدة النظام الجديد على محاربة الإرهاب، وربما يكون ذلك قد تم بتدخل تركي. ليس سراً أن من النتائج الأساسية لسقوط الأسد تراجع النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.

خروج الروس من سوريا يعني - إذا تم بصورة نهائية - نهاية الوجود الروسي في الشرق الأوسط أو على الأقل في منطقة الشام. وقبل أيام قليلة كان لافتاً للنظر أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قال إن مفتاح سوريا صار في تركيا. ونعرف أن تركيا لم يكن لها إلا نفوذ صغير عبر بعض المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة في إدلب وبعض المدن في الشمال الشرقي في إطار صراعها مع التنظيمات الكردية التي تتهمها أنقرة بأنها موالية لحزب العمال الكردستاني.

سوريا كانت تمثل لروسيا أيضاً فرصة لتجريب كل أسلحتها الجديدة بل وتدريب مجموعة «فاغنر»، إضافة إلى عقود اقتصادية طويلة الأمد وديون مالية متراكمة. كما أن سوريا كانت إحدى البوابات الأساسية لروسيا إلى إفريقيا.

وبمجرد سقوط الأسد تبارت التحليلات الغربية في شرح الخسائر الروسية ومنها ما كتبه مثلاً تشارلز مور في صحيفة التلغراف البريطانية بأن سقوط الأسد يكشف الضعف الحقيقي الروسي. يقول: إن روسيا تعرضت لضربات مستمرة من قوى كثيرة ليس فقط من الجماعات المسلحة الموالية لتركيا بل أيضاً لضربات مولتها أو شجعتها إسرائيل وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

والخلاصة الخطرة التي يصل إليها الكاتب أن على رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر استغلال «الفرصة التي تتيحها إهانة روسيا في سوريا»، طارحاً سؤالاً مفاده: «لماذا نفترض أن قدرة بوتين على التحمل لا تنتهي؟». ومما يقال إن روسيا كانت تستخدم قاعدة حميميم لإرسال جنودها ومعداتها وأسلحتها إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو وبعض الدول الإفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية موالية لروسيا ومعارضة للغرب.

خسارة الجسر الجوي الذي كانت تستخدمه روسيا من سوريا إلى إفريقيا سوف تكلفها الكثير لأنه هو الذي يمكنها من بناء نفوذها في إفريقيا وبالتالي فخسارة هذه القاعدة المهمة سوف تصعب من مهمة الوجود الروسي في إفريقيا.

وحسب تعبير أحد الخبراء فإنه من دون جسر جوي موثوق به؛ تنهار قدرة روسيا على نشر قواتها في إفريقيا. بل تصبح الاستراتيجية الروسية في إفريقيا وفي شرقي المتوسط في مهب الريح.

في تقدير محللين فإنه حتى لو امتلكت روسيا قواعد عسكرية بحرية شرقي ليبيا فقد لا يمكن استخدامها في جسر جوي بسبب قيود الأجواء الأوروبية المغلقة معظم الوقت أمام روسيا.

فمثلاً سيكون صعباً على أي طائرة روسية محملة بعتاد عسكري ثقيل مواصلة الطيران من روسيا إلى غربي إفريقيا، وهو الأمر الذي كانت توفره قاعدة حميميم السورية.

وبالتالي وما لم تحدث معجزة فإن سقوط الأسد لن يضعف سمعة روسيا فقط أو يؤثر في وجودها العسكري، بل قد يجعلها تخسر الاستثمارات الاقتصادية والعقود طويلة الأمد والمشاركة في إعادة الإعمار والتنقيب عن النفط والغاز في سوريا، بل قد يؤدي إلى تشجيع المعارضة في مناطق نفوذ روسية أخرى، إضافة إلى خسائر اقتصادية ومعنوية والتأثير في مبيعات الأسلحة الروسية للخارج، وتعزيز نفوذ خصوم روسيا.

بصفة عامة فإن سقوط الأسد يشكل ضربة كبيرة لروسيا على مستويات متعددة لأن سوريا كانت حجر الزاوية في استراتيجية موسكو لتعزيز وجودها في المنطقة وضمان مصالحها الشاملة.

السؤال: هل سوف تستسلم روسيا لهذه الخسائر الضخمة أم لديها أوراق خاصة لم تستخدمها بعد؟ سوف ننتظر ونرى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد