: آخر تحديث

إلى الرئيس نبيه بري: هذه فرصتك لإنجاز وطني

5
5
4

يروي لي أحد الوزراء السابقين من الأصدقاء المقربين من الرئيس نبيه بري، ان الأخير لا يزال يطمح الى تحقيق إنجاز مهم للبلد وناسه، بعد تغيّر الأحوال، وسقوط النظام السوري، وتبدّل موازين القوى في المنطقة، وانه لا يفكر بالترشح الى الانتخابات النيابية في سنة 2026، لذا يتطلع الى التعاون مع الجميع في السنتين المقبلتين، وقد مدّ يده الى "القوات اللبنانية" الأبعد تاريخياً وسياسياً، وهو يرى ان الفرصة سانحة اكثر من اي وقت مضى للنهوض بالبلد. والكلام على ذمّة الصديق. لكن الرئيس بري الطامح الى إنجاز، محبط من التطورات، وغاضب حالياً، ويعبرّ، او ينعكس غضبه، على الوجدان الشيعي عموماً بعد سلسلة من الهزائم المتتالية، والتي تعود اسباب بعضها الى الثنائي الشيعي نفسه. وعلى هذا الثنائي ان يعيد قراءة التبدلات قبل ان يتوجه الى رمي المسؤولية على الأخرين، وان يطرح السؤال عن الاسباب الكامنة وراء الانقلاب عليه، وعلى حلفائه، وفي طليعتهم الرئيس نجيب ميقاتي الذي دفع ثمن علاقته به. يظنّ الرئيس بري انه بإمساكه بخيوط اللعبة يمكن ان يخدم البلد، وكأنه لم يقرأ كل المتغيرات من حوله، ويردّ البعض ذلك الى محيطين به، من المنتفعين، وهم بدأوا يتصارعون من حوله على المصالح، وقد يحولون دون التقاطه الفرص المتبقية خوفاً على منافعهم. التبدلات في المنطقة والعالم جذرية، ولا يمكن التعامل معها بعقلية الماضي، ولا بخبرة "حزب الله" المتواضعة في السياسة، ولا بفائض قوة غالباً ما يرتد على اصحابه في لبنان، ويراكم الخسائر، والتجارب كثيرة. الرئيس نبيه بري حالياً، رغم كل الاحباطات، امام فرصة تاريخية يمكن ان يختتم بها حياته السياسية على غرار ما فعله الامام الراحل محمد مهدي شمس الدين بوصاياه التي صارت مرجعاً يُستند عليه في الشؤون الوطنية، وتجعل الأجيال تتذكره وتترحم عليه. يقول الامام شمس الدين: "كل اللبنانيين سواء أكانوا شيعة أم غير شيعة عليهم أن يلتزموا مشروع الدولة الذي ركب على أساس اتفاق الطائف... وكما قلنا دائماً ونكرر: أن أية طائفة في لبنان لا يمكن أن تنجز مشروعاً خاصاً بها، وأي طائفة تريد أن تنتج مشروعاً خاصاً بها ستخلق حالة دمار شامل ولن ينجح هذا المشروع. فمشروع الدولة يجب أن يقوم على توافق الكل وعلى التعاون... ويتابع شمس الدين: "منطق أكثرية واقلية بالمعنى الطائفي لا يجوز استخدامه ولا يمكن استخدامه... في لبنان لا بد أن تلحظ دائماً الاكثريات والأقليات بالمعنى غير العددي، أي بالمعنى النوعي". ماذا يمكن ان يقوم به الرئيس بري: اولا: القبول الجدي والحقيقي والفاعل برئيس الجمهورية جوزف عون، وبرئيس الحكومة المكلّف نواف سلام، انطلاقا من قبول (وليس رضوخ) بتعدد الاراء والخيارات السياسية، وضرورة تفاعلها لمصلحة البلد، لا مصادرة قراره، ودعم جهودهما المشتركة للنهوض بالبلد، بل التحول الى رافعة لهما، لنهضة وطنية، اذ يملك بري الخبرة الاوسع، والقدرة الاكبر، والادوات الأكثر. ويملك بري مفاتيح كثيرة، كما ادوات التعطيل. اذاً يمكن لبري ان يتحول رافعة العهد والوطن. وبذلك يسجّل انجازاً يخلده. ثانيا: ليس لدى "حزب الله" بعدما ذهب بعيداً، إمكان اللبننة الفعلية، اي العودة الى الوطن، من دون جناحه الثاني، اي الرئيس بري، المؤتمن على حركة الامام موسى الصدر، وعلى جزء من فكر الامام شمس الدين الذي اوصى "أبنائي إخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يميزوا أنفسهم بأي تميز خاص، وان لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم". وهذا الأمر تمثله حركة "امل" في الاساس. وعودة "حزب الله" الى لبننة سياسية تعود بالفائدة على المكون الشيعي كلّه، وان كانت ربما تؤثر سلباً على الحركة لمصلحة الحزب على المدى الطويل. ثالثا: "حزب الله" في حالة إرباك شديد، بعد اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله، وعدد كبير من قيادييه، وقد عبر عن ذلك النائب محمد رعد في قصر بعبدا، فيما تجلت حكمة الرئيس بري بالصمت المدوي. وهذا الارباك، بعد تعثر وفشل، يمكن ان يقود الى تهوّر والى ردود فعل غير مدروسة، تعمق الانقسام، وهنا تقع المسؤولية على بري الذي يمكن ان يعقلن الافعال. رابعاً: يحتاج الثنائي الشيعي الذي تلطّى بالوصاية السورية، والرعاية الايرانية، منذ ما بعد الحرب، للإمساك بمفاصل الدولة، الى إعادة قراءة الواقع والتعلم منه، انطلاقاً من نكبات سابقة لكل من المارونية السياسية، والسنية السياسية، وايضاً من الخسارة المدوية التي مني بها في الحرب الاخيرة التي افتعلها الحزب، ومن سقوط النظام السوري، وتواطؤه مع روسيا واسرائيل لإضعاف الدور الايراني في سوريا ولبنان. يحتاج الثنائي الى اعادة بلورة الدور مع الشركاء، لا ان يبقى رهينة الماضي، ويعادي الآخرين. خامساً: ان مشاركة الرئيس بري في الحكومة المقبلة يمكن ان تقلب الأوضاع المتشنجة رأساً على عقب، لأن مقاطعته، والتي تجرّ ايضاً مقاطعة "حزب الله" ستزيد من تعقيد الامور، ومن عزلة الشيعة عموماً، وابتعاد الآخرين عنهم، خصوصاً بعدما تبيّن لهم ان حلفاء الأمس بدّلوا تبديلا. سادسا: ان عدم تمسك الرئيس بري بحقائب في ذاتها، وبأسماء خبر اللبنانيون فسادها، يمكن ان يشكل جزءاً من انجاز يطمح اليه، ويتحقق ذلك بتفعيل الخدمات العامة في اي وزارة يتسلمها من يسميه، وايضاً باسماء جديدة غير مستهلكة، كفوءة، ونظيفة الكف، وتتمتع بخبرة، وتحمل شهادات غير مشكوك في صحتها، يمكن ان تشكل بوابة وصل وتواصل مع الداخل، ومع الخارج. ومما لاشك فيه ان طائفته تكتنز الكثير من الاسماء اللامعة في كل المجالات، والوجوه الشابة، والمحببة. يقول السيد علي محمد حسين فضل الله: "إيمانا بضرورة الانفتاح والتواصل مع الاخر علينا ان نتطلع إليه من مواقع اللقاء والنقاط المشتركة ولكن للأسف نحن تعودنا في هذا الوطن ان نستحضر الخلافات والصراعات التي تجعل من أي حوار على أي مستوى أمراً صعباً ومعقداً ويبقى في إطار الشكل والديكور وتضييع الوقت لأنه لا يدخل إلى أعماق الهواجس والمخاوف سواء الواقعية أو المصطنعة التي تطرح وتثار من هذا الفريق أو ذاك ما يجعلها باباً ينفد منه الخارج للتدخل في شؤوننا وقضايانا".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.