: آخر تحديث

أيام الريبة في البيت الأبيض

3
3
2

جمال الكشكي

حالة ترقب يعيشها العالم، وافد جديد للبيت الأبيض، الظروف مغايرة، الخرائط مشتعلة، الحسابات متداخلة وشديدة التعقيد. واشنطن عاصمة لها تأثير قوي في الأحداث الإقليمية والدولية على مختلف الأصعدة والمجالات السياسية والاقتصادية، صمت وترقب وحذر يرسم سيناريوهات عديدة، وتقديرات ليست مكتملة النتائج.

هذه الأيام يستعد الرئيس الأمريكي جو بايدن للرحيل من البيت الأبيض، وفي الوقت ذاته يستعد الرئيس الأمريكي الفائز دونالد ترامب للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض، التسليم والتسلم صعب في الأدبيات الأمريكية، لا يمكن التنبؤ بقرارات اللحظات الأخيرة للرئيس المغادر، فطبقاً للدستور الأمريكي، فإن بايدن لديه الحق في إصدار القرارات الاستراتيجية، وغير الاستراتيجية، حتى الدقائق الخمس الأخيرة قبل أن يسلم عهدته إلى الرئيس الجديد.جرت العادة في مثل هذه الفترات أن تكون قرارات الوداع من أخطر وأصعب القرارات، فهي أشبه بمن يلقي بالأفاعي في طريق الوافد الجديد.

بايدن اتخذ قرارات عدة هذه الأيام، من شأنها إرباك حسابات دونالد ترامب على مختلف الأصعدة.

ففي الحرب الأوكرانية - الروسية، سمح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، وسمح لها بنشر الألغام المضادة للأفراد، وهي محرمة دولياً، وترفضها الأمم المتحدة، بل تجرّمها.كما سمح للكونغرس بتمرير مساعدات مالية ضخمة إلى أوكرانيا، ظناً منه أن الحرب ستشتعل أكثر، ولن يستطيع الرئيس المنتخب ترامب أن ينفذ أفكاره التي قال فيها إنه سوف يوقف الحرب خلال 24 ساعة من وصوله إلى البيت الأبيض.

أيضاً اتخذ بايدن قراراً بالعفو عن ابنه هنتر بايدن رغم أنه صرح سابقاً بأنه لن يعفو عن هنتر، وسيترك القضاء يتخذ مجراه، ذلك العفو الذي سوف يشكل نمطاً جديداً يعمم على كل الخاضعين للمحاكمات، سواء في أحداث اقتحام الكابيتول يوم 6 يناير 2020، أم في محاكمات الرئيس ترامب نفسه في قضايا عديدة.

وبذلك يكون الرئيس بايدن قد استن سنة في أيام الريبة ستكون لها تداعياتها وأخطارها على الداخل الأمريكي.

لم يسلم الشرق الأوسط من قرارات الريبة، فقد أمد الرئيس بايدن إسرائيل بأسلحة تقدر بنحو ثمانية مليارات ونصف المليار دولار، تتمثل في ذخائر وأسلحة فتاكة بذريعة الدفاع عن نفسها، رغم أنها ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية في غزة، واعتدت على سوريا، ولبنان، فضلاً عن أنه ترك الأبواب مفتوحة من دون إيقاف الحرب على غزة، ومن دون تحقيق استقرار في الشرق الأوسط، وبات الإقليم يعيش في دوامة انتظار عدسة رؤية جديدة من الوافد الجديد تجاه الشرق الأوسط.

لا شك أن إدارة بايدن تعرف جيداً كيف تضع الحواجز أمام إدارة ترامب، الذي قال في تصريح أخير إن انتقال السلطة بات صعباً جداً، عكس ما تقوله إدارة بايدن بأن انتقال السلطة يتم في سلاسة.

الأخطر هنا ليس فقط ما تم اتخاذه من قرارات، بل ما قد يجهز له بايدن من قرارات جديدة خلال الأيام العشرة المقبلة، فهذه الأمتار الأخيرة لساكن البيت الأبيض قد تشبه المصارعة الرومانية التي لابد أن يُقتل فيها أحد الطرفين، وربما تكون هناك مفاجآت تؤدي إلى مزيد من الاشتعال في الشرق الأوسط، بما يربك حسابات أمريكا الجديدة مع الحلفاء والخصوم.

أخيراً أقول: إن التاريخ الأمريكي يشهد دائماً على أن الرئيس المنتهية ولايته دائماً ما يحرص على اتخاذ القرارات التي لم يستطع أن يأخذها في أثناء فترة ولايته، وهذه القرارات تمثل مزالق سياسية كبرى لمن يخلفه، خصوصاً لو كان قادماً من حزب منافس أو لون سياسي مختلف، والخوف كل الخوف من أن تمتد قرارات بايدن قبل رحيله إلى مساحات صفرية يصعب تحويلها إلى أرقام صحيحة فيما بعد العشرين من يناير الجاري.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد