سهوب بغدادي
قيل إن «البوصلة اختُرعَت قبل الساعة لأن الاتجاه أهم من الوقت»، بغض النظر عن مدى صحة هذه المقولة فإنها تحمل مفهومًا في غاية الأهمية، ففي أغلب الأحيان نتشبث بالوقت وسكناته متجاهلين بذلك التوقيت المناسب الذي يكمن في علم الله وحده جل جلاله، وننسى إيلاء الوجهة قسمةً عادلةً من الأهمية والاهتمام، ونهتم في الحياة بالوجهة الأخيرة لا الرحلة، في حين تتطلب التوجهات ومعرفتها مجهودًا مسبقًا وآنيًا لكي لا يحيد الشخص عن المسار، ولا يشترط أن تكون وجهتك مشابهة لوجهات الآخرين، فالبعض يسلك الطرق الوعرة، والبعض الآخر يأخذ تلك التقليدية والمتعارف عليها، فيما يعتبر الوقت عاملًا مهمًا ومكملًا لرحلتك، إما بالالتزام به لكيلا تفوتك المحطة، أو بالتغاضي عنه عنوةً لتأخذ استراحة محارب مستحقة، لا بأس في الأمرين، طالما كنت راضيًا عن نفسك في المعيارين مع الابتعاد عن الوقوع في بعض المحطات التي تُجبر عليها أحيانًا أو تُفرض عليك بوعٍي أو غير وعٍي، و دون الانسياق للركب الغفير الذي قد يكون مضللًا وتائهًا في غالبيته.
أختم مقالي بأبيات منتقاه من قصيدة «مر القطار» لمحمود درويش:
مَرَّ القطارُ سريعاً كُنْتُ أنتظرُ
على الرصيف قطاراً مَرَّ
وانصرَفَ المُسافرونَ إلى
أَيَّامِهِمْ وأَنا ما زلتُ أَنتظرُ
مَرَّ القطارُ سريعاً
لم يكن زَمَني على الرصيف معي
فالسَاعةُ اختلفتْ من الساعةُ الآن؟
مَرَّ القطار سريعاً
مَرَّ بي، وأَنا ما زلتُ أَنتظرُ..