كان ذلك قبل نحوٍ من شهرين. قلتُ في نفسي لا بدّ من أنْ يكون الاحتفاء بميلاد فيروز هذه السنة (20 تشرين الثاني 2024)، "غير شكل". خاطبتُ صورها التي في رأسي، وفي وجداني، ورجوتُها أنْ تقود دربي للخروج من معزوفة الإنشاء، من دلق العواطف، من الكلام الأجوف، ومن اللّامعنى.
لا أعرف لماذا خطر في بالي الـ"بوب آرت". آندي وارهول تحديدًا. قفزتْ إلى عينيَّ، إلى قلبي، لوحته الشهيرة التي رسم فيها وجه ماريلين مونرو. يا لها لوحة! ذلك الوجه الفائق الشِّعر، الفائق الحياة والأنوثة، وجه ماريلين، لا يفارق خيالي.
من زمان، وكلّ يوم، يتمنّى كياني أنْ "يسرق" ضحكة ذلك الوجه، أنْ "يتماهة" مع تلك الحرّيّة النادرة شبه المطلقة، التي تنضح من تلك الضحكة. فيروز بريشة منصور الهبر الوارهوليّة. كلّ يوم، يسافر خيالي إلى حيث تسكن تلك اللوحة، فيخيَّل إليَّ أنّي أطرق الباب، سائلًا صاحب هذا الكنز أنْ يتنازل طوعًا عنه. ومجّانًا. لكنْ، كيف الوصول إليه، وهيهات! قلتُ في ذات قلبي، سنفعل الـ"بوب آرت" على طريقتنا. سنجعل عيد ميلاد فيروز هو المفتاح. وبذلك، يكون وجه نهاد حدّاد بيت القصيد، الغاية، والمرتجى. فيصير وجهها (التشكيليّ) هو العيد. وجهها، وجه فيروز، على كلّ حال، هو العيد.
بحرارة، سألتُ الرسّام الفنّان منصور الهبر، أنْ يمارس الـ"بوب آرت" على طريقته، لكنْ على خطى العمل الذي أنجزه آندي وارهول بالنسبة إلى ماريلين. اخترنا الصور معًا، وتولّى هو، بالطبع، خلق الإيقاعات الملائمة، لونيًّا وتقنيًّا وبنيويًّا. ثمّ نشرنا الأعمال والمقالات المرفقة في "النهار" (20 تشرين الثاني 2024)، وكانت النتيجة الهبريّة – الوارهوليّة (نسبةً إلى الهبر ووارهول) أكثر من مذهلة. لم أكتفِ بذلك.
في ما بعد، قبل أيّامٍ قليلة، سألتُ الهبر أنْ "يطبع" إحدى تلك الصور ديجيتاليًّا على قماش، وأنّ يشدّ العمل على chessis ثمّ يحوّل الصورة المطبوعة إلى لوحةٍ مرسومة. فماذا جرى وماذا كانت النتيجة؟ أقلام "كارانداش" يقول منصور الهبر: "بدأ العمل بالفوتوشوب على الكومبيوتر، وهو تقنية حديثة، وأداة، مثلها مثل الريشة والألوان.
ثم انتقلت إلى التوليف الديجيتاليّ بمؤثّرات خاصّة لكي "تتخلّص" صورة فيروز الفوتوغرافية من "الموضوعية" وتندرج في سياقٍ فنّيّ، من خلال إدراج اللون كحضور .فوق القماش المشدود انكببتُ على المعالجة اللونيّة بأقلام "كارانداش" الذائعة الصيت والجودة. هذه الأقلام عنت الكثير للفنّان الكبير الراحل حليم جرداق الذي سطّر بها رسومًا بمقاسات مختلفة على ورق. وهي من نوع باستيل شمعيّ رفيع المستوى يساهم في حفاظ الألوان على ألقها ونصوعها، وقد أضفتُ إليها الماء لتصير كما الأكواريل.
الأقلام هذه، سمحت لي بالتهشير وبإضافة مساحات شفافة وإنتاج طبقات لونية جديدة. يهمّني أنْ أقول إنّ هذه التوأمة بين الطباعة الحديثة وتقنية الرسم التقليديّة لها صداها الواسع في عالم الفنّ اليوم، ويعمل بها عدد من كبار الفنّانين في العالم". أعود إلى أساس الفكرة.
لم أنسَ وجه ماريلين بريشة آندي وارهول. لكنّ عينيَّ الآن مأسورتان، وهما رهينتا وجه فيروز. قلبي أيضًا هو الرهين. وجه فيروز بريشة منصور الهبر (الوارهوليّة)، قصّة تُروى. وكان ينبغي لي أنْ أرويها.