يقتربُ العالم من دخول العام 2025، والحديث عن الحروب الكبرى والأسلحة الفتاكة مازال متداولًا بشكل يدعو للتأمل بل والدهشة، صحيح أن دولة نوويّة مثل روسيا وهي تدخل عامها الثالث في الصراع على أراضي أوكرانيا، تستأثر بمعظم هذه التكهنات ولكن معظم دول العالم لا تريد الحرب الشاملة.
ويعرف الأميركيون ومن خلفهم الغرب جيدا أن الانخراط في حرب مباشرة مع روسيا لن يحسم الوضع في أوكرانيا إلّا بكلفة هائلة قد يكون دمار بعض عواصم أوروبا أهونها، ولهذا يحرص الناتو (ضمن البوصلة والرؤية الأميركيّة) على دعم أوكرانيا لتقاوم لا لتنتصر، واستنزاف موسكو وإطالة الحرب ما أمكن بحيث لا يمكن لأحد الطرفين حسم الصراع أو ادعاء النصر يومًا ما.
ربما لا يملك الغرب في الحرب الأوكرانيّة - الروسيّة خيارًا سوى المراهنة الاستراتيجيّة على عامل الزمن وربما هي أفضل خيار متاح، لأن أوروبا المنهكة اقتصاديًا والمنقسمة سياسيًا غير قادرة على مواجهة روسيا، وحتى لو حصل فلا يوجد دولة أوروبيّة تستطيع تمويل حرب كبيرة مع روسيا سوى ألمانيا ولكن الألمان يعرفون جيّدا أن الفرنسيين حليف مخاتل، والبريطانيين يرون أنفسهم أكبر من أوروبا، أما بقيّة دول أوروبا فليس لها في عير الحرب ولا نفيرها ويكفيها ما فيها.
وإذا استطاع "ترمب" أن يفي بوعود السلام في أوكرانيا فسيكون سلامًا مصلحيا ينتهي مع نهاية الرئيسين في بكين وموسكو أيّهما أسبق. وعلى الرغم من أن روسيا محل النقاش والاجتماعات السريّة والعلنيّة في دوائر الناتو وحلفائه إلا أن الفاحص سيكتشف أن في عمق الغرب إدراكًا ثابتاً أن روسيا لم تعد خطرا على الغرب ومصالحة بل إن في بقائها مصلحة استراتيجيّة للتقارب الثقافي وبوصفها موردًا رئيسًا للغاز والنفط وكحاجز معادل لأي طموحات لقوى قادمة مثل الهند ومن في مستواها.
المؤكد أن عيون واشنطن ومعها حلفاؤها في الشرق والغرب ستكون مشغولة خلال العقد القادم بما هو أهم من روسيا، وبالتحديد سيكون همّها ومهمتها النيل من التنين الصيني الذي بدأ يوسع نفوذه تدريجيًا وهو يمشي على أطراف أصابعه. ويمكن تفسير سبب ذلك الصراع المؤجل مع الصين ضمن مفاهيم ونماذج الصراع بين القوى التي لم تتغير مدخلاتها عبر التاريخ. الصين أنموذج متكامل يقدم نفسه للعالم شريكًا في الاقتصاد، عزوفًا عن تفاصيل السياسة، غير مهووس بالأمن ولكنه في ذات الوقت يبني تحالفاته كقطع الأحجيّة التي لا تكتمل حتى يأخذ اللاعبون وقتهم الكافي.
ومشكلة الصين مع الغرب هي ميزتها الجاذبة مع بقيّة العالم والمتمثلة في أن لدى الصين "البديل الملائم لكل شيء" وهي بهذا البديل تشكّل الخطر الاستراتيجي (الوجودي) لكل ما تمثّله الحضارة الغربيّة بما في ذلك جبروت الهيمنة والعنجهيّة.
ربما ستكون الأعوام القادمة بدءًا من العام 2025 أعوام تحوّل في موازين الحرب والسلم، فها هو الشرق الأوسط وإسرائيل على مفاصل غير معهودة، وها هي أفريقيا تعلن أن الفرنكوفونيّة لم تعد علامة امتياز، ومع تسارع انحسار الوجود الأميركي (الأنجلوسكسوني) في الشرق الأدنى واستعداده لما قد يحصل في الشرق الأقصى ستكون محطات حرب وسلام تعلن نهاية مرحلة وبداية أخرى.
-
قال ومضى:
حتى لو لم تجد الجواب، لا تفقد شرف طرح الأسئلة..