ظروف قد تفرض نفسها على الواقع، وتلقي بظلالها القاتمة على المشهد، ويصبح المتضررون من تلك الظروف على شفا جُرفِ من الانفلات العصبي، تؤججه حرارة الطقس الملتهب، وكم من الأعذار المقبولة التي سيتم تداولها، وتصبح هناك حالة من الجدل بين مؤيد ومعارض، ومعها ستصوّب سهام النقد القاتلة، ويدور الجميع في حلقة مفرغة، من إلقاء التهم الجزافية، وادعاء المظلومية، وأنها مناطق مهمشة، لكونها تبتعد عن قلب العاصمة.
ما حدث من انقطاع للكهرباء في شرورة كان حدثاً عارضاً، يحدث مثله وأكثر في العديد من بلدان العالم، بدعوى تخفيف الأحمال، وأضحت هذه السنّة منهجاً تعاني منه شعوب، في ظل حرارة ملتهبة تلفح الوجوه، وتصيب الأجهزة الكهربائية بالعطب، إضافة لفساد الأطعمة في الثلاجات، وحالة الظلمة التي تفرض نفسها على الواقع اليومي بجريرة أو بدونها.
وقد تكون وجهة نظري قد تغيرت، فلربما كنت من الذين سيوجهون سهام النقد اللاذع لكل القائمين على منظومة الكهرباء في المملكة، ولن أكون مراعياً لأي تداعيات في ظل حالة الالتهاب العصبي التي تضربنا جميعاً، جراء موجات الحر المتتابعة، ولكن الرقي الذي تعاملت به "الهيئة السعودية لتنظيم الكهرباء"، واعتذارها لكل إنسان في المنطقة التي انقطع فيها التيار الكهربي، ولغة المسؤولية التي تكلمت بها، في اعترافها بالخطأ، والوعد بإصلاحه، وتقديم التعويض المناسب لكل المستفيدين في شرورة، كل تلك العناصر غيرت لغة الخطاب، من نقد واتهام، إلى اعتراف بقيمة تلك المنظومة، التي راعت أبعاداً إنسانية كثيرة في خطابها الإعلامي، وإعلانها تحمل المسؤولية وتبعات ما حدث، والعمل على عدم تكراره، بل والتحقيق في أسبابه الجديدة أو السابقة في فترات زمنية سالفة، وكأنها تعد فاتورة الحساب لمحاسبة من أخطأ.
إن الذي يدعو للثناء، تعامل أهل شرورة بشعور نبيل مسؤول مع تلك المشكلة العارضة، وسعة صدورهم رغم حرارة الطقس القاسية، وانتظارهم الحل العاجل الذي وعدت به الهيئة، فكان مشهداً يدل على رقي شعب المملكة في التعامل مع ما يواجهه في حياته اليومية بتؤدة ورويّة وسماحة نفس يحسدون عليها، فتحية إجلال وتقدير لهم.
لا يساورني شك أن الهيئة بمسؤوليها ومجلس إدارتها كانوا على مستوى الحدث، في التعامل الراقي والسريع مع الأزمة، والبحث في أسبابها، وتحمل نتائجها وتبعاتها اعتذاراً وأسفاً، واعترافاً بحجم الأزمة، ثم تقديم التعويض المناسب في أسرع وقت، وفتح قنوات التواصل أمام الجميع في المملكة، لبحث أي مشكلة تتعلق بالكهرباء.
إن ما أسعدني حقيقة ثقافة الاعتراف بالخطأ، التي نفتقدها في جهات رسمية كثيرة، واللغة الإعلامية الرصينة الهادئة التي رطّبت الأجواء رغم الحرارة الحارقة، وأرسلت رسالة مفادها نحن معكم ومنكم، وخدمتك شرف لنا.
والكلمة الأخيرة للمملكة الدولة الكبيرة التي آلت على نفسها تحمل الكثير في سبيل توفير الطاقة الكهربائية لشعب المملكة في أصعب الظروف المناخية، التي عجزت فيها دول كثيرة عن الالتزام بتوفير الطاقة لشعوبها، ربما لظروف اقتصادية أو لوجستية، لكن المملكة تتحدى كل الظروف بجهد مخلص وصمت الكبار العظماء.