: آخر تحديث

«المنسيّون».. العرب أيضاً

36
36
23

يكتب محمد ناصر الدين في إحدى الصحف اللبنانية مستعيداً شعراء وروائيين ومفكرين لبنانيين تحت عنوان مؤثر: «المنسيّون»، لا كتب لهم في المكتبات وأسماؤهم لم تطلق على شارع أو زقاق، ولا معلومات عنهم في الإنترنت. هكذا يلخص ناصر الدين واقع أدباء وكتّاب «كتبوا أدباً تأسيسياً يلامس القضايا الشائكة مثل جدلية الريف والمدينة، والذكورة والأنوثة، وبعضهم لو قدّر له أن يعيش حياة أطول أو لم تعانده الظروف والمصاعب لكُنّا أمام أدب يشبه في قماشته ما كتبته سيمون دو بوفوار أو فرانز كافكا».

ويعود ناصر الدين في هذه المادة التي تنطبق أيضاً على الكثير من حالات وأحوال كتّاب عرب آخرين هم أيضاً من تلك القماشة التي أشار إليها، إلى حَيَوات موجزة في إضاءات تذكارية لا يجب أن تنطفئ لكي لا ننسى: محمد عيناتي (1821 - 1988)، منى جبّور (1943 - 1964)، فؤاد كنعان (1920 - 2001)، صفوان حيدر (1950 - 2024)، وغيرهم ممن في مربع الذاكرة المثقوبة.

ليس هؤلاء اللبنانيون وحدهم تحت ركام النسيان، بل الكثير من الكتّاب العرب هم أيضاً، أدبياً وأخلاقياً، في حاجة إلى مثل هذه الاستعادة الأشبه بالصرخة، حتى لو كان الصراخ، أحياناً، لا يعود إلّا برجع الصدى.

أين كُتب محمد القيسي، وفوّاز عيد، وعبد اللطيف عقل، ونسيم الصمادي، ورزق أبو زينة، وحسّان أبو غنيمة، ونبيل عطية، وناهض حتّر، ونزيه أبو عفش، وأمل دنقل، ومحمد عفيفي مطر، وعبد الله البردوني؟

أين الطبعات الجديدة المشغول عليها بأمانة وذاكرة ومهنية لأساتذة كبار مثل، إحسان عباس (من كان يطلق عليه شيخ النقّاد العرب)؟، وأين كتب منقرضة أو في طريقها إلى الانقراض لشعراء من مثل: معين بسيسو، وفايز خضور، ومحمود البريكان، ومحمد الطوبي، أو لروائيين مثل: إيميل حبيبي، وجبرا، ومحمد عيد، صاحب الرواية اليتيمة «المتميّز»؟

«المنسيّون» ليس عنواناً لبنانياً فقط، بل هو أيضاً عنوان ظاهرة عربية يحتار المرء في قراءتها وفي توصيفها الثقافي والتاريخي، وعلى سبيل المثال، تزدحم المكتبات العربية بكتب طه حسين والحكيم والعقاد كمرحلة أدبية تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين، في حين بالكاد تجد كتاباً لشاعر ستيني أو سبعيني له قيمة أدبية في مرحلته تستحق القراءة من جديد.

تقوم ظاهرة «المنسيّون» هذه على اعتبارات مؤلمة منها: «النجومية» التي يكتسبها شاعر ما أو كاتب ما بقوة الإعلام، أو بقوة الإرث الإيديولوجي أحياناً، فيما يذهب إلى النسيان كتّاب وشعراء ومبدعون لم يكن لهم سوى ذواتهم الصغيرة الجميلة، وبعض هذه الذوات ما زال يقاوم خيانة الذاكرة إلى اليوم.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد