في عهد الرئيس جمال عبد الناصر دخل أول جهاز كمبيوتر إلى مصر، حيث تم تركيبه في مقر رئاسة الجمهورية. كان الكمبيوتر عملاقاً، ويحتاج إلى مساحة كبيرة، وطاقم كثيف العدد لنقله وتشغيله، لقد كان أعجوبة كاملة.
مع الوقت لم تعد هناك أعجوبة، بل صار الكمبيوتر في كل مكان، وكل منزل، ثم في كل يد.
لقد مرت الأقمار الصناعية بشيء مماثل، فالقمر الصناعي السوفييتي الذي انطلق عام 1957 باسم «سبوتنيك» هزّ العالم، ثم بعد قليل كان لدى واشنطن وموسكو أقمارها، ثم ازدحم الفضاء شيئاً فشيئاً، حتى وصل إلى أكثر من (6) آلاف قمر صناعي في يناير 2021. كان بعضها خامداً بفعل الزمن.
في عام 2015 كانت هناك نقلة كبرى في ذلك الحقل المثير، حيث أطلقت شركة «سبيس اكس» التي يمتلكها الملياردير «إيلون ماسك» سلسلة أقمار «ستارلينك»، حتى وصلت إلى (3) آلاف قمر، يمكن رؤية أسرابها تسير في الأعلى في خط مستقيم. وفي عام 2022 حصلت «سبيس اكس» على ترخيص لإطلاق أكثر من (7) آلاف قمر آخر، بناء على خطة مستقبلية تشمل إطلاق (40) ألف قمر صناعي!
في الحرب الروسية الأوكرانية كانت أقمار «ستارلينك» حاضرةً في الصراع، فقد تولّت تقديم خدمة الإنترنت للجانب الأوكراني، وكادتْ تتسبب في أزمة نووية لولا تعطيل حركة طوربيد مسيّر، حسبما ذكر «ماسك» لاحقاً.
قبل سنوات ظهرت أجيال جديدة يُطلق عليها «الأقمار الصغيرة».. وهي على نحو عام تقارب حجم حقيبة سفر، ويجري تعبئة الطاقة فيها عبْر هياكل صغيرة خفيفة الوزن. أنتجت شركات أميركية سلسلة أقمار «سمول سات»، لتراقب نوعية الهواء، تقطيع الأشجار، حرائق الغابات، تآكل السواحل، أعمال الزراعة كالري، وتسميد التربة. وترسل هذه الأقمار صوراً دقيقة للغاية من ارتفاع (500) كم.
بعد أجيال «الأقمار الصغيرة» نشأت أجيال أحدث من أقمار أصغر، هى الأقمار النانوية، أو الأقمار متناهية الصغر. وحسب الخبراء فإن بعض الأقمار الصغيرة تصل إلى (100) كجم، وبعض الأقمار النانوية تصل إلى (1) كجم، ويصل وزن المحرك في الأقمار النانوية من طراز«أقمار الفمتو» إلى (100) جرام!
ثمّة جديد دائماً في سباق الأقمار النانوية، فبينما أعلنت روسيا عن مشروع «فريد» لإطلاق سلسلة منها، أعلنت اليابان عن تطوير قمر يمكن حمله باليد، وطورت الهند قمراً في حجم الهاتف المحمول.. أسمته «عبد الكلام» على اسم رئيس الدولة الأسبق وعالم الصواريخ الهندي الشهير.
قال لي الدكتور أحمد زويل ذات يوم: لقد زرت وادي بنجالور في الهند، والتقيتُ الرئيس عبد الكلام، وهو يرتدي حذاءً متقشفاً وملابس بسيطة، وشرح لي رؤيته في صعوبة التطوير الشامل لكل شيء، وأنّ نظرية المراكز المضيئة التي تقود ما حولها، لتكون هي القاطرة التي تجرّ كلّ العربات التالية.. هى الأنسب لنا.
ربما يحتاج العالم العربي لدراسة رؤية البروفيسور عبد الكلام، لا يجب أن ينتظر الجميع حتى ينهض الجميع، بل تنشأ مؤسسات وطنية بمعايير عالمية، تقود البلاد، كما تقود جامعات النخبة الولايات المتحدة، وكما يقود وادي السيليكون عصر العولمة.
العلم هو الحل.