السلام العالمي في خطر كبير، وهذا بسبب الصراعات بين القوى العظمى، وبعض الحروب والنزاعات الإقليمية، والصراعات المحلية الساخنة في بعض الدول، علاوة على وجود هموم اقتصادية فادحة، وتناقض في المواقف والتصورات والقضايا العالمية، إلى جانب العجز الفاضح عن الوصول إلى حلول عادلة للمشكلات التي تعصف بالمجتمعات المختلفة.
من المفترض في العلاقات بين الدول أن تضبطها وتحكمها مواثيق وقوانين ولوائح وأعراف وتقاليد.. متفق عليها في عالمياً كقواعد للحفاظ على التوازنات عندما تعصف بها رياح الخلافات.
وفي حرب «غزة» على وجه التحديد لم نلمس أي أثر لتلك القواعد، ولا بصيصاً من روح التشريعات، ولا حتى ظلاً لنصوصها الجامدة المتحيزة المحيرة.
ستبقى أحداث غزة المأساوية شاهداً على موت القانون الدولي الإنساني لعقود مقبلة، فضلاً عن تشريعات السماء في الأديان الثلاثة التي لم تجد لها بين منظمات المجتمع الدولي وأجهزته راعياً ولا نصيراً.
لقد ضاعت حكمة ممارسة «الحياد» وسط هذا العبث الشامل.. لذا يثور التساؤل: ماذا يعني أن نملك القدرةَ على ممارسة الحياد في كل تفاصيل الحياة؟ والجواب هو أن الحياد حالة من حالات الحكمة، تمكننا من التعاطي مع كل شيء باتزان ورويّة. لكن يبدو أنه قد حل محل الحياد ما قاله «بسمارك» قبل سنين طويلة من أنه «لا محبة للغير بين الأمم، وإن القضايا الحديثة لا ينبغي أن تقررها أصوات الناخبين، ولا بلاغة الخطب، بل الذي يقررها هو الدم والحديد»! أو ليس في ما يحدث حالياً في مناطق من العالم تجسيداً واضحاً لمقولة بمسارك؟
هناك حكمة صينية قديمة تقول: «إن إنقاذ حياة إنسان خير من بناء هيكل من سبعين طابقاً»، والإنسان في عصرنا يموت ألف مرة موتاً معنوياً، قبل أن يموت جسدياً! وهذه الحقيقة يدركها الكبار الذين يملكون زمام القرارات الحاسمة في الدول الكبرى. يقول الراحل ميخائيل جورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفييتي، إن الناس تعبوا مِن الشعور الذي يجثم على صدورهم، أي شعور انتظار الكارثة، ويبدو أن إمكانية تلافي الخطر لن تتحقق إلا إذا مُدت الأيدي عبر الفواصل الأيديولوجية والاقتصادية والسياسية القائمة، تلك الفواصل التي تشكل حواجز بين الدول.
إن التنمية والثقة والتعاون هي الأركان الثلاثة التي لا يمكن للعالم أن يمضي إلى المستقبل إلا بالاعتماد عليها، ولم يعد أمام البشرية بديل عنها، رغم كل ما حدث من فساد للضمائر وتلوث للمبادئ وتغير في المفاهيم الأخلاقية! وهنا تتجدد الأسئلة الثلاثة الرئيسية: كيف يتحقق السلام العالمي؟ وكيف تتحقق التنمية للشعوب النامية؟ وكيف نصل إلى حلول حقيقية للمشكلات المزمنة إقليماً ودولياً؟
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة نصَّا على الحقوق الإساسية، مادية ومعنوية، للأفراد والشعوب، رغم تباين العقائد والأجناس والمواقع.. كما نصَّا على حق الشعوب في السلام والعدل والحرية والإخاء والمساواة.. فهل تحولت هذه الشعارات الطنانة البراقة إلى واقع أم بقيت مجرد حبر على ورق؟
يقول الكاتب الصيني «تشوا تشين لينج» إن أكبر تهديد للولايات المتحدة الأميركية ليس الصين، بل السلام، ومَن يريد هزيمة الدولة الصناعية الأكبر في العالم عليه أن يقطع عنها «هواء الحروب». استتباب السلام العالمي سيضع نهايةً لشركات صناعة الأسلحة التي بُنيت حول الحروب واقتصاد الحروب وتجارة الحروب، وعندما يصبح هناك سلام عالمي، ستنهار أهم صناعة في العالم، وستصنع البشرية مستقبلها.