ما رأيك في أن قضية الفصحى والعامّية لا تزال محل جدل وجدال في أوساط الإنتاج الفني والإعلام؟ للأسف، سؤال متشعّب الأبعاد كهذا، يطرحه أو يتلاسن فيه أفراد معدودون من أهل الإنتاج والإعلام، بينما هو جدير بالدراسة في مراكز بحث علمي، من قبل باحثين في الاجتماعيات والسياسة والجغرافيا السياسية والتربية واللغة.
العرب يعشقون اختصار طريق التفكير، نقول: المسلسلات من اختصاص شركات الإنتاج، فهي من يقرر كل شيء يتعلق بالميدان. يبدو أن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، قد جاوز حدود مسؤولياته، يوم أصدر أمراً بعدم بثّ أيّ فيلم أو مسلسل من إنتاج مقاطعة كيبيك الكندية، الناطقة بالفرنسية، إلاّ بعد دبلجة فرنسيته إلى فرنسية فرنسا. كأن باريس تقول لمونتريال: «وبقينا بعاد». بالمناسبة، كان الرئيس الديغولي قد أمر أيضاً بعدم وضع أيّ لغة فوق الفرنسية في لافتات المحالّ وما إليها. من عجائب آخر الزمان أن يحشر الإليزيه أنفه في شؤون البلدية، أمّا في دنيا العرب، فحتى المجامع اللغوية أراحت دماغها من صداع ما يطرأ على العربية من طوارئ هذا العصر، فشغلها الشاغل عربية سيبويه والفرّاء وعبدالقاهر الجرجاني. الحق يقال، لديهم أسئلة تجعل المخ كالمروحة الكهربائية: لماذا فسد الزمان فلا يستطيع عرب عصر الحواسيب وفيزياء الكمّ، أن تتهلل أسارير أذهانهم لكتاب «الخصائص» لابن جني، أو «ليس في كلام العرب» لابن خالويه، أو أن ترقص طرباً لألفيّة ابن مالك؟
القضية أكبر من أن تكون ذوقية. النظرة التسطيحية تصرف الذهن عن صندوق الشرور. تخيّل التالي: ما الذي ينجرّ عن إلغاء الفصحى من كل المسلسلات العربية؟ ستختفي كتابة الأعمال بالفصحى، وسيتوارى القادرون على أدائها بطلاقة، وستزداد العربية غربة في بلدانها. يزيد الطين بلّة تكاثر الفضائيات العربية التي تبث النشرات والتقارير بالعامية. سيقول أبناء العرب: ما هذه اللغة التي يجبروننا على تعلمها في المدارس ولا وجود لها في حياتنا اليومية؟ ولمَ لا تنضم الصحافة إلى الجوقة: لماذا نسبح نحن عكس التيار؟ أمّا كرزة الكعكة، فهي ألاّ يختلف العرب عن أهل التّبت والشيشان وإندونيسيا، في قراءة القرآن الكريم بفهم كلا فهم، خصوصاً إذا استغنت المناهج العربية عن الفصحى أو إضافتها كلغة أجنبية.
لزوم ما يلزم: النتيجة القلقية: قلقٌ على قلق ومثلي يَقلقُ، حين تصير شركات الإنتاج تقرّر مصير هويّة الأمّة.