: آخر تحديث

«تاج»

21
20
18

مسلسل «تاج» كان تاج الكثير من الأعمال «الفنية» التي اعتادها المواطن العربي في رمضان، ومنها ما هو مبني على التشجيع والمخترة والزعامات التي ما قتلت ذبابة على لسان نزار قباني. مسلسل وطن وليس مسلسل حارة. درس في الوطنية النظيفة حيث لا مكان لمن يبيع بلاده بحفنة فرنكات فرنسية، والعميل مصيره القصاص، والخائن لا تنفعه سلطة، ولا تحمى ظهره زمرة من جنرالات «.. عابرين في هواء عابر..».

لم يرَ المشاهد العربي هذه المرّة لا زعرنات ولا رجوليات لا تتعدّى غرف النوم، وبقدر ما في هذا العمل التاريخي الإبداعي من بساطة (وليس التبسيط).. بقدر ما فيه من ذاكرة وعودة إلى زمن الرجال الذين يؤمنون بفكرة البطولة،.. لا بوصفها استعراضاً ومكانة خاوية، بل بوصف البطولة فطرة أمومية في ذات الإنسان وهو في أقصى درجات كرامته الكبيرة..

تاج، في نهاية هذا العمل الدرامي بحق، وهو ملاكم أم نشأ ملاكماً.. يقول بشيء من الانكسار: لا أريد أن أتذكر أي شيء.. أريد فقط أن أتذكر كوني كنت ملاكماً، والعبارة رمزية أكثر منها لغة حنين إلى الماضي، ذلك أن الوطن الذي بدا في آخر حلقة، هو وطنان، وطن الأسود والأبيض إذا أردت التوصيف، ثم ذلك الوطن الذي بدا مهدّماً، ومحترقاً بالكامل..

إذا أردت الحب، تجده كما تريد في «تاج» العمل الفني، الهادئ، والمُقْنِع والمثقف، وإذا أردت العنف تجده أيضاً، ولكن بلا مبالغات إجرامية (شوارعية)، وإذا الحياة في صورتها الآدمية الجميلة تجدها أيضاً بعيداً عن الصخب والصراخ والشجار.

على المقلب الآخر كما يقولون، ترى أعمالاً تعمّم لثقافة الفساد والغثيان، أعمالاً مكرّسة لظواهر مريضة مثل الخيانة، والكذب، والاستغلال.. معروضة علينا علناً مثل البضاعة الفاسدة.. في سوق فاسدة أيضاً..

ما الذي يجعل عملاً فنياً (تاجاً)، ناجحاً، ومقبولاً ودافعاً للكتابة الاحتفائية؟؟.. الإجابة بكلمات بسيطة مباشرة:.. الثقافة، أي القراءة أولاً، ثم المبدأ الذي أسميه هنا (الضمير)، ثم احترام الذات، والذي يمكن أن يُسَمّى هنا (الشخصية أو الكرامة أو الكبرياء)..

كل هذا يصنع عملاً فنياً يحتفى به بسرعة وبلا أي حسابات مسبقة، أما تلفزيون التجهيل والتبسيط والتسطيح فهو تماماً مثل شخصية الكولونيل في مسلسل (تاج).. يحمل حقيبته ويغادر إلى الموت والنسيان..

«تاج».. مقطع فني من حياة عربية كانت ذات يوم في مكان عربي، وهو شكل من أشكال الماء الذي يتلهف له كل ظمآن للكرامة، فقط، الكرامة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد