ما رأيك في الذهاب إلى بعيد مع «كل عام وأنتم بخير»، معرّجين على اللغة العربية بطريقة تُجلي عن القلب الأسى؟ سؤال: هل الفرنسية أعزّ على قلوب سبعة وستين مليون فرنسي، من العربية على قلوب أربعمئة مليون عربي؟ فرنسا لا تنظر إلى لسانها كنحو وصرف وأدب وفكر، بل كقوّة لتعزيز موقعها ومكانتها في الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، لهذا وضعت جانباً كبيراً من مقاليد اللغة في يدي وزارة الخارجية، فهي أدرى بهندسة البنى التحتية التي تقوم عليها الفرنكوفونية.
فرنسا لم تنسَ مستعمراتها، فالفرنكوفونية هي بقايا من بقاياها، لم تنس الجنرال كارتييه الذي كان علّة كيانها في مقاطعة الكيبيك بكندا، لم تنس البصمات الفرنسية في فيتنام، أمّا في كمبوديا فأشعار الأمير سيهانوك شاهد، لم تنس عشرات الملايين من الناطقين بالفرنسية في القارة السمراء. واعجباً! فأواصر العربية بالدول الإسلامية أعمق وأوثق، وأرقى وأنقى، من علاقات فرنسا بالذين يتكلمون لغتها في العالم. في كل يوم يتلو ألفا مليون مسلم قرآناً مجيداً واحداً، متجهين إلى قبلة واحدة.
قد يكون عسيراً على الذهن تصوّر استطاعة العالم العربي، وهو على هذه الحال، إعادة الإشراق إلى العربية في اثنين وثلاثين مليون كم مربع. ما نراه رأي العين، أن لغتنا تتردّى في الديار العربية ونحن لا نجد إلى علاجها سبيلاً، لا في تبسيط القواعد في المناهج، ولا إزاء تدهورها في الوسائط السمعية البصرية، ولا في تدنّي مستواها، كتابةً وتكلّماً، في وسائل التواصل.
الحلم بعيد، فأمامنا مناجم مفعمة بالمعادن النفيسة، ولكننا لا نقدر على استخلاصها، وبحار تعجّ بالأصداف، ولكننا لا نقوى على صيد لآلئها. إدراك حقيقة المشكلة لا يحتاج إلى عبقريات ذات معارف موسوعية، فبكل بساطة: اشتراك ملياري مسلم في العبادات وقراءة القرآن بالعربية، لا يعني انتشار لغتنا في تلك البلدان. بل لا يتسنّى الانتشار حتى لو صار عدد المسلمين مئة مليار، لأن حياة اللغة تحتاج إلى أدوات أخرى وأساليب علاج مختلفة. كم مرّة كرّرنا: يا قوم، إن أبناء العرب يدرسون لغتهم ستّ عشرة سنةً، من الابتدائية إلى الجامعة، ويتخرجون وأكثريتهم لا تحسن كتابة صفحة واحدة لا تزيد أخطاؤها على العشرة.
لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينيّة: سلال إنتاج الأفكار كثيرة، المشكلة هي أن سلال المهملات أكثر.