: آخر تحديث

ما وراء حرب غزة

26
27
21

هناك شعور قوي بأن الأحداث الملتهبة في المنطقة العربية هدأت إلى حد ما بفعل الشهر الكريم.

القتال في أماكن الحروب لم ينته، والاحتقان في مواقع الصراع لم يتبدد، والتوتر الذي يعتري العديد من الدول لأسباب مختلفة لم تُعالَج أسبابه، لكن درجة الحرارة هدأت نسبياً، أو هكذا يبدو للمتابع.

الهدوء النسبي مرشح لاستعادة سابق صخبه في الأسابيع، وربما الأيام القليلة المقبلة. الحرب في غزة تأتي على رأس القائمة.

وما لم تحقق المفاوضات التي تجري بين عشرات الأطراف حول ما يجري في القطاع اختراقاً يجبر إسرائيل على وقف إطلاق النيران، ويجمع الفرقاء – أو من ينوب عنهم- حول طاولة اتفاق يفضي إلى حل على الأرض، فإن الوضع في غزة ومحيطها مرشح للتفاقم الإقليمي في المستقبل القريب جداً.

هذا الوضع المتفاقم يؤثر على المنطقة كلها دون استثناء. وكنا نتمنى أن يتم حساب ردود الفعل قبل القيام بالفعل، وكنا نأمل أن يتم إشراك الشركاء في القرارات المصيرية قبل اتخاذها، وهم الشركاء المطالبون اليوم بالتدخل لإنهاء مأساة الحرب الضارية التي يتكبد آثارها الشعب الفلسطيني الأعزل «المحبوس» داخل غزة وليس خارجها. لكن الأمنيات والآمال لن تغير وضعاً قائماً.

الوضع القائم حالياً، والممتدة شظاياه في الإقليم كله دون استثناء، يتطلب حكمة في التعامل على مستوى القيادات، وتعقلاً في رد الفعل على مستوى الشعوب. وهذا لا يعني تقاعساً عن نجدة الأخوة في غزة، فهو واجب، أو تسويفاً عن تقديم يد العون.

محاولة الزج بدول وجيوشها في حرب القطاع هو دفع أهوج غير محسوب، وإشعال المزيد من الفتن الداخلية عربياً، ولو بحسن نية، أمر غير مقبول لا سيما وأنه لن يحل القضية أو حتى يحلحل تعثرها، بل سيزيد تعقد خيوطها المعقدة أصلاً.

وأول الخيوط التي تستوجب «التسليك» هو البيت الفلسطيني من الداخل. وعدم الحديث عن هذه الخلافات لا يعني عدم وقوعها، أو عدم توقع آثارها على الضحية الأولى والأخيرة، ألا وهي الشعب الفلسطيني. وعدم التعامل مع هذه الخلافات بواقعية وحسم من شأنه أن يفتح المزيد من الأبواب أمام إسرائيل لتفعل ما بدا لها بلا حساب أو عقاب. وهي لا تحتاج إلى المزيد من الأبواب.

ورغم تعدد الأبواب التي تخترقها إسرائيل غير معتدة برأي عام عالمي، أو قانون ملزم دولي، أو رفض إنساني لما يجري في القطاع، إلا أن «باب» الخلافات الداخلية الفلسطينية سيكون «باب الجنة» لها.

فوائد هذه الخلافات بالنسبة لإسرائيل لا تعد أو تحصى. فهي تعطي الحكومة الإسرائيلية ميزة الوقت الإضافي لتدبر أمورها. كما تنوب عن إسرائيل في توصيل رسالة مهمة إلى الرأي العام العالمي، ألا وهي أن هؤلاء القوم غير قادرين على إدارة خلافاتهم الداخلية فيما بينهم!

مبدأ العدو دائماً هو «فَرِّق تَسُدْ»، فما بالك لو أن الفرقة قائمة أصلاً؟!

وللعلم، فإن الخلافات الداخلية تعصف أيضاً بالحكومة الإسرائيلية، لكن «ساعة الجد»، هل يمكن أن تؤدي هذه الخلافات إلى أن يلحق الإسرائيليون الضرر بأنفسهم؟!

سؤال يتردد كثيراً منذ اليوم التالي لاندلاع حرب القطاع. هل في إمكان إسرائيل أن تقضي على حركة «حماس»؟! الإجابة هي: لا، لا سيما أن حماس فكرة، والفكرة لا تموت. وأغلب الظن أيضاً أن حماس لن تنجح في القضاء على إسرائيل. فإسرائيل أيضاً فكرة، وهذه الفكرة تحديداً تلقى رواجاً وتأييداً منقطعي النظير في أغلب أرجاء العالم.

المنطق يقول إن الضغط يجب أن يكون كله من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة الآن. خسارة المزيد من الأرواح البريئة أمر لا يحتمل. العداد يشير إلى أكثر من 33 ألف شهيد، بالإضافة إلى نحو 766 ألف مصاب في قطاع غزة، وعملية العد مستمرة، ومرشحة للزيادة بين لحظة وأخرى.

آخر ما نتمناه أن يتم إنهاء حياة آلاف مثلهم مع بقاء الوضع على ما هو عليه. أما الحل المستدام، فيبقى في علم الغيب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد