يبدو هذا السؤال مستعجلاً أو على الأقل يعاني من مشكلة منهجية، فما زال التوقع مبكرا حول من سوف يدخل البيت الأبيض مرة أخرى، المؤشرات تتجه نحو صراع من نوع مختلف في سباق رئاسة يدور بين ترمب وبايدن الذي تجاوز العقد الثامن من عمره في مقابل ترمب صاحب السبعة وسبعين عاما والقريب من بايدن في المرحلة العمرية، وهذه المعادلة العمرية تثير أسئلة مقلقة وخاصة أن طريقة تفكير كلا المرشحين أصبحت معروفة وواضحة للجميع وليس فيها الكثير من الخفايا، وإذا تمكن أحدهما من الفوز فسوف يصبح من السهل قراءة مستقبل السياسية الأميركية وتحدياتها.
ترمب يسعى إلى تحقيق ذات الإنجاز الذي حققه سلفه الرئيس جروفر كليفلاند في العام 1885م، عندما عاد إلى البيت الأبيض مرتين، ولكن ترمب يحمل في جعبته الكثير من التحديات الخطيرة المحملة بأربع لوائح إتهام جنائية على أقل تقدير بجانب واحد وتسعين تهمة جنائية منفصلة ضده، ولكنه مع ذلك استطاع أن يواجه الكثير من التحديات وحصل على الدعم من الحزب الجمهوري.
ليست الساحة الأميركية خالية من المرشحين ولكن الحقيقة تقول إنه لا يبدو أن من بين المرشحين من سوف يستطيع مزاحمة ترمب أو بايدن، وقد يبدو هذا الاستنتاج غريباً ولكن الواقع يدعم هذا الاستنتاج، فكل المرشحين الذين نراهم اليوم يخوضون التجربة إما من أجل كسب الخبرة أو تسجيل موقف، والدليل على ذلك أن أياً من الأسماء المرشحة لم يلفت النظر إليه في مقابل جلجلة سياسية وانتخابية يتمتع بها بايدن وترمب، فلا توجد مشروعات انتخابية لبقية المرشحين والفرصة الوحيدة هي بقاء العالم لمتابعة النزال بين ترمب وبايدن حتى الجولة الأخيرة.
التنافس الحاد بين بايدن وترمب يجعلمها الخيار المتاح للشعب الأميركي، وكلا الاثنين تمكنا من الإصرار والترشح لتحقيق أربعة أهداف طموحة، كلاهما يريد الانتصار وفق فرضية أنه الأقرب إلى الشعب الأميركي والأقدر على ترجمة متطلباته وخدمة أميركا، وأن أميركا بحاجة إليه.. ثانيا يحاول الاثنان تفادي الهزيمة لذلك هما يستخدمان كل ما هو متاح لأن الخسارة ستكون نهائية ولن يتمكن أي منهما من اللعب على المستقبل للعودة، لذلك سوف تستخدم كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة والأخلاقية وغير الأخلاقية لتحقيق الانتصار.. ثالثا: ستكون إسرائيل مادة مهمة في هذه الانتخابات فالاثنان سوف يبذلان الكثير من الجهود والوعود لإسرائيل التي تخوض حرب في غزة لن تنتهي آثارها قبل موعد الانتخابات القادمة.. رابعا: مفترق الطرق في العلاقة مع روسيا ستكون حاسمة في الانتخابات بين ترمب المؤيد لعلاقات أكثر تسامحا مع روسيا وبين بايدن الذي يدفع نحو الصراع مع روسيا.
السؤال هنا يدور أيضا حول الدور المحتمل للمرشحين في الشرق الأوسط، في الحقيقة أن كلا المرشحين لم يقدما ولن يقدما الكثير للمنطقة والسبب معروف تاريخيا، بل إن ترمب ضاعف من الأزمة في مشروعاته التي قدمها للمنطقة في فترته الرئاسية الأولى والتي حملت الكثير من التجاوزات في القضية الفلسطينية بشكل خاص وفكرة التطبيع، بايدن لا يختلف كثيراً بل إنه لم يقدم في فترته الرئاسية أي مشروعات خاصة بقضايا الشرق الأوسط يمكن الحديث عنها، كما أن موقف بايدن من الحرب في غزة كان مخيباً للآمال وقد ساهم هذه الموقف في تعزيز فكرة الشك الدائم في أن هناك طرفا نزيها في واشنطن يحاول أن يقدم حلولاً للقضية الفلسطينية التي يتوقع أن تخسر بشكل كبير مع هذين المرشحين.
الواقع اليوم يكشف أن أميركا تفقد موقعها كصانعة سلام في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك لن يكون هناك الكثير من التغيرات في حال فوز أي من المرشحين سواء ترمب أو بايدن، وكلاهما في حال الفوز عندما يجتمع الناس في المركز التجاري الوطني لأداء اليمين الدستورية للرئيس السابع والأربعين لأميركا في يوم عشرين يناير من عام 2025م وعندما يضع أحد المرشحين يده على الكتاب المقدس لتأدية اليمين الدستورية بعدها سوف يلقي خطاب التنصيب الذي يحمل موضوعا واحدا فقط هو الانتقام من الآخر.
ترمب بحسب موقع أكسيوس يشير إلى خطة هدفها تفكيك الدولة العميقة في أميركا وهذا توجه خطير فهو يريد أن يقدم خدماته عبر ترسيخ فكرته "أميركا أولا" وهي الأيديولوجيا التي تبناها ترمب، ولكنه يعود الآن بمشروعات كلها تدور حول تعزيز مرونة الحكم لصالح أهدافه، أما بايدن فمن المتوقع ألا يقدم الكثير فيما لو ترشح من جديد فهو يتحدث عن الاستمرار في إصلاحات داخلية ذات علاقة بالشعب الأميركي، ولكن المؤكد أن السياسة الخارجية في عهد بايدن لن تتغير وسوف يستمر العالم في مواجهة إخفاقات الإدراة الأميركية كما هي.