: آخر تحديث

علاج الضحك في وجه الأحداث المتجهمة

13
10
14
مواضيع ذات صلة

منذ فجر التاريخ كنا بحاجة إلى مجالسة من يمتلك حسّ الدعابة حتى نقهقه لسماع النكتة، ثم صارت النّكات تأتينا زُرافات ووُحداناً بضغطة زر على الشاشات الصغيرة. في عصرنا، صرنا نختار نوبات الضحك مثل جرعات الدواء نتناولها في أي لحظة.

وحاجتنا للضحك ليست فطرية فحسب، بل هي علاج للآلام والهموم والغموم. مستشفى «مايو كلينك» الأمريكي يشير إلى أن لنوبات الضحك فوائد قصيرة المدى، فهي تحفز أعضاءنا، وتحسن الابتسامة استنشاق الأكسجين، وتحفز القلب والرئتين والعضلات، وبها يغمرنا الإندورفين (المسكنات الطبيعية) الذي ينطلق من الدماغ البشري في رحلة تخفيف الضغط النفسي وزيادة الاسترخاء.

عندما نضحك في وسط تجهم أحداث الحياة، فإننا في الواقع نتمتع بتأثيرات يصفها مايو كلينك بأنها «طويلة المدى». فهذه القهقهات لسويعات أو لحظات تحسن الجهاز المناعي بسبب تلك التغييرات الكيميائية. فالضحك يبدد الضغط النفسي الذي هو سبب لإضعاف الجهاز المناعي، ومع مرور الوقت سنلاحظ أن تلك الفيديوهات التي تضحكنا صارت تخفف من وطأة آلامنا على طريقة مسكنات الألم التقليدية.

الذين اعتادوا على الضحك سوف يتمتعون «بزيادة ملحوظة في الرضا الشخصي»؛ لأن المرء سيجد سهولة في التعامل مع الحالات الصعبة والتواصل مع الآخرين. فهذه الضحكات التي ندرجها في جدولنا اليومي تحسن حالتنا المزاجية عبر المساهمة في تقليل التوتر والاكتئاب والقلق. والأروع أنها تمتد إلى تحسين «تقدير المرء لذاته» كما يقول العلماء.

لو أن نصف سكان الكرة الأرضية حاولوا رسم البسمة على شفاه شخص واحد يومياً لغمرت شتى أرجاء المعمورة طوفان من السعادة. وربما ارتجت الأرض بقهقهات متصاعدة.

قرأت -قبل بضعة أيام- في صحيفة «التايمز» اللندنية دراسة مهمة بأن علماء في مؤتمر بهولندا قد كشفوا بأن الضحك قد يكون أحد أفضل الأدوية لأمراض القلب، وذلك بعد تجارب سريرية لمعرفة ما إذا كان «العلاج بالضحك» يقلل من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. فاتضح أن مشاهدة الكوميديا والضحك مفيدان للقلب ويقللان من علامات الالتهاب، ويزيدان من قدرة القلب على ضخ الأكسجين في جميع أنحاء الجسم.

الخلاصة أنهم يريدوننا أن نضحك على أقل تقدير مرتين في الأسبوع، حيث اعتبر تقرير «التايمز» أن ذلك ربما يكون حلاً لهيئة الخدمات الصحية في بريطانيا لعلاج 7.6 ملايين شخص مصابين بأمراض القلب.

الذين شاركوا بالدراسة كان متوسط أعمارهم 65 عاماً، وطلب منهم مشاهدة برامج كوميدية مدتها نحو ساعتين أسبوعياً، في حين لم يشارك النصف الثاني منهم في تلك البرامج. وكانت النتائج لصالح من استمتعوا بالضحك، عبر تحسن قدرة القلب على ضخ الأوكسجين، وقل بذلك خطر الإصابة بنوبات قلبية وسكتات دماغية.

الضحك صار ميسوراً، فلم يعد هناك حاجة للبحث في دليل الهاتف عن صديق أو قريب يؤنسنا، بل صار أمد الضحك أوسع نطاقاً مما نتخيل، فهناك برامج كوميدية (ستانداب كوميدي) مطولة تنسي المشاهد وطأة همومه، غير أننا ما زلنا بحاجة إلى كتاب محترفين في الكوميديا حتى ينتشلونا من «أفيهات» وتفاهات أنصاف الكوميديين على خشبة المسرح والشاشة. تلك كلها محاولات مطلوبة للتخفيف من ضغوطات الحياة، وهذا ما يجعل فقرة الضحك اليومية الشخصية فكرة جيدة لتمدنا بجرعات من الراحة والاسترخاء للعودة بقوة إلى تحدياتنا.

وقد قال أستاذ علم النفس الاجتماعي مارتن سيليغمان «إذا نجحنا في تخفيف المشاعر السلبية فهذا بحد ذاته إنجاز يستحق عناء المحاولة». وقيل قديماً: اضحكْ تضحك الدنيا معك، لكنك حينما تبكي ستبكي لوحدك!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.