سهوب بغدادي
كثرت الحكم والأقوال المأثورة والشعبية عن تغافل الأشخاص عن الزلات، وما يقابله من تعنت أو ما يطلق عليه بالعامية «استقعاد» أو حساب الزلة، حيث قيل: «حبيبك يبلعلك الزلط، وعدوك يتمنالك الغلط»، ففي العين المناسبة ستكون بمثابة الفن، وإن كنتَ فنًا يصعب تفكيكه وتحليله وفهمه، إنه لمن الصعب أن تعامِل الجميع بذات الأسلوب، أو أن تتم معاملتك كما تتم معاملة الآخرين والأصعب أن ترد المعاملة السيئة بنقيضها، قال الله جل جلاله في سورة فصِّلت: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (34) فصلت: 34).
لو كان الأمرُ هيّنًا لما استشعرنا أهميته في تعاملاتنا، فعلى الأغلب سترى عين المحبة من أحد الوالدين أو كلاهما لأحد الأبناء، استنادًا إلى قصة سيدنا يوسف عليه السلام، مما نتج عنه تأجج قلوب إخوته عليه وحياكتهم مكيدتهم المعروفة، كما نرى عين المحبة في العمل بين الموظف والمدير وعين البغض في ذات النطاق، وتتعدد الأمثلة والمجالات المتداخلة في حياتنا فإن ترك الإنسان ذلك التعامل سواء كان إيجابيًا أم سلبيًا يتمكن منه ومن تفاصيله وتحركاته وأفعاله فلن يكونَ جيدًا، خاصةً في الأطر المهنية والإنسانية التي تتطلب العدل تارة والمنطق تارة أخرى، وسيدخل مجال للتقصير أو الانحياز، التي تنعكس على تقييم الأداء على سبيل المثال لا الحصر أو عطايا الوالد لابنٍ دون الآخر، بالطبع، إنّ هوى القلب وميله سجية أصيلة قد لا نقوى التحكم فيها أو توجيهها كثيرًا إلا أنّ المقصد الوعي بالشيء وعدم الجور بالكُليّة ليتضح الوزن الأعلى من الكفتين، وضع نفسك مكان من ملكَكَ أمره، بلا ريب، لن تحب أن تعامل بتفرقة جلية، ختام القول إنّ التوازن مطلب فلا إفراط ولا تفريط، وإن كان ذلك في المشاعر.
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
وَلَستُ بِهَيّابٍ لِمَن لا يَهابُني
وَلَستُ أَرى لِلمَرءِ ما لا يَرى لِيا
فَإِن تَدنُ مِنّي تَدنُ مِنكَ مَوَدَّتي
وَإِن تَنأَ عَنّي تَلقَني عَنكَ نائِيا
كِلانا غَنيٌّ عَن أَخيهِ حَياتَهُ
وَنَحنُ إِذا مِتنا أَشَدُّ تَغانِيا
- الإمام الشافعي