خالد بن حمد المالك
بين المملكة وباكستان علاقة أخوية ضاربة في العمق، وبين الدولتين تاريخ يحمل في طياته من التعاون ما ليس له مثيل، وعلى هذا النهج يتواصل التعاون، وتستمر الشراكة من ملك إلى آخر، ومن قيادة باكستانية إلى أخرى، فهنا وهناك قيادة حكيمة، وشعب أصيل ومحب يسند كل منهما الآخر، برغبة صادقة، وشعور أخوي مخلص، وتفان بلا حدود.
* *
ذات يوم كان الملك عبدالله يزور الهند ثم باكستان في واحدة من زياراته الرسمية، خاطب شعب الهند بأنكم أصدقاء، وقال لشعب باكستان إنكم أصدقاء وأشقاء -نعم أشقاء-، وقال مثل هذا الكلام ملوك آخرون، وإن اختلفت العبارة، ويقولها اليوم الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد، ولكن بترجمة الأقوال باتفاقية دفاع إستراتيجي بين البلدين.
* *
ففي الرياض، كان اللقاء التاريخي أمس الأول بين محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وشهباز شريف رئيس الوزراء في باكستان، وفيه تم التوقيع على اتفاقية الدفاع الإستراتيجي، التي تترجم المستوى العالي الذي وصلت إليه العلاقة التاريخية المتميزة بين بلدينا، وما أسفرت عنه المباحثات الرسمية بين الجانبين، وتلك الجهود التنسيقية لتعزيز أوجه الشراكة الإستراتيجية بين بلدينا في مختلف المجالات، وبينها التوقيع على اتفاقية الدفاع الإستراتيجية بين الرياض وإسلام أباد.
* *
اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك تأتي، -كما جاء في البيان المشترك- في إطار سعي البلدين إلى تعزيز أمنهما، وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، والتي تهدف إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء، بمعنى أن أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما.
* *
كما يأتي هذا الاتفاق بعد سبعين عاماً من العلاقة التاريخية الوثيقة التي تربط المملكة بجمهورية باكستان الإسلامية، تطورت خلالها إلى مستوى (الشراكة الإستراتيجية) بدعم من قيادتي البلدين، وحيث تعود جذور العلاقات العسكرية والأمنية التاريخية القوية بين البلدين إلى ستينيات القرن الماضي، وقد أثمرت عن التعاون في مجال التدريب العسكري، والإنتاج الدفاعي، ومشاركة القوات المسلحة في تمرينات جوية وبحرية وبرية دورية مشتركة.
* *
ولا بد من النظر إلى أن توقيع اتفاقية عسكرية إستراتيجية بين كل من المملكة وباكستان على أنها نقطة تحول مفصلية في تاريخ العلاقات بين البلدين الشقيقين، في إطار الارتقاء بالتعاون الدفاعي والردع المشترك إلى أعلى مستوياته، وبما يخدم أهدافهما المشتركة في إرساء الأمن والسلم الدوليين، وتالياً إلى الارتقاء بمستوى العلاقات العسكرية القائمة بين البلدين.
* *
ومع التأكيد على أن هذا الاتفاق لا يستهدف أي طرف آخر، وأنه ليس بديلاً لأي تعاون عسكري ثنائي بين المملكة وأي دولة شقيقة أو صديقة، فإن توقيع المملكة وباكستان لاتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك يعد حقاً سيادياً للبلدين، شأنها شأن الاتفاقيات الدفاعية الدولية القائمة حالياً.
* *
ومن المؤكد أن هذا الاتفاق يأتي ضمن إطار سعي الرياض وإسلام أباد لتطوير القدرات الدفاعية المشتركة، والردع الاستراتيجي، ورفع الجاهزية، والعمل على تطوير وتكامل القدرات الدفاعية للبلدين في التصدي المشترك لأي تهديد لأمن وسلامة أراضيهما، وتتمثل أهمية الاتفاقية في أن أحكامها تتضمن أن أي هجوم خارجي مسلح على أي من البلدين يعد هجوماً على كليهما.
* *
توقيع الاتفاق بين ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ورئيس وزراء باكستان يعد منجزاً تاريخياً في ضوء ما يشهده الأمن والسلم الدوليين من مخاطر وتحديات، وما تم يعود إلى نتائج الزيارة التاريخية لسمو الأمير محمد بن سلمان لباكستان في العام 2024م، ومباحثاته مع كبار القادة الباكستانيين، وقد تركزت حينها على شراكة البلدين الإستراتيجية، وها هي المملكة وباكستان تخطو بسرعة نحو التكامل العسكري في الشراكة بين البلدين، بما تم التوقيع عليه من اتفاقية للدفاع الإستراتيجي بين محمد بن سلمان وشهباز شريف.