: آخر تحديث

فلسطينيو 48.. جبهة إسرائيلية أخرى!

8
11
8

محمد خالد الأزعر

لم يكتفِ نتانياهو وبطانته الحاكمة من غلاة المتطرفين الإسرائيليين بحروبهم التي نسمع ونرى، على أكثر من جبهة إقليمية، اعتماداً على ما يعتقدونه فائض قوة لديهم، معزَّزاً بإسناد أمريكي غير محدود، فراحوا يتحرشون بفلسطينيي 48، وكأنهم يقصدون فتح جبهة أخرى.

في هذا الإطار، كان نتانياهو قد أصدر قبل عشرة أعوام توجيهاً، بإنشاء ما أسماه منتدى مشتركاً بين الحكومة والطائفة المسيحية وقتذاك، ووُجهت تلك الدعوة برفض واستنكار السواد الأعظم من أبناء الطائفة على اعتبار أنها «تستهدف صهر مكونات المجتمع الإسرائيلي في جيش صهيوني الفكر والعقيدة يمارس العدوان والاحتلال بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية»، طبقاً للبطريرك السابق ميشيل صباح، الذي عُرف بشعبيته الجارفة بين الأوساط الفلسطينية المسيحية وغير المسيحية.

اليوم، يجتهد نتانياهو في تنشيط سياسة «فرق تسد» التقليدية مع فلسطينيي 48، معتبراً أن الرياح باتت مواتية أكثر في هذا المضمار، شأن ما يظنه على الصعيد الإقليمي.. الأمر الذي يؤكد مجدداً عدم قابلية المخططات الإسرائيلية للتقادم على الصعد كافة.

هذا المنطق، المتسق صورياً وظاهرياً، لا يصمد بالمطلق، بل تتجلى معالم تهافته، بالنظر إلى أكثر من حقيقة. فمن ناحية، ليس ثمة ما يثبت أن الدولة الإسرائيلية منذ نشأتها حتى الساعة، قد تعاملت مع قطاعيها اليهودي والعربي بمبدأ المواطنة المتساوية.. إذ كان التمييز وما زال قائماً ضد العرب، ولم ينج من أبعاده ومفرداته حتى أولئك الذين وقعوا منهم في شباك قسم الولاء وخدمة العلم. وهذا أمر شرحه يطول.

ومن ناحية ثانية، كيف يتسق حديث المواطنة المتساوية وضرورة أداء واجباتها من الجميع، في دولة تزعم علناً أنها «لليهود فقط»، وتشتق من التشريعات والقوانين والسلوكيات ما يتناسب مع هذا الزعم! ألا يعني ذلك أن للفلسطينيين العرب داخلها -حتى لو أخذنا جدلاً بتقسيماتها المغرضة لهم بين مسلمين ومسيحيين ودروز وبدو وأهل نقب وجليل ومدن مختلطة.. إلخ- مساقات حقوقية مختلفة كـ«أغيار»؟!

وثمة ناحية ثالثة، تتصل وثيقاً بالحقيقتين السابقتين وجدل واجبات المواطنة، فطالما أن الدولة يهودية الاسم والعنوان والهوية والشعارات، فإن يهودها هم الأولى بخدمة علمها، لكن الواقع يقول إن «الحريديم».

المناظرات والمجادلات المرتبطة بهذا الموضوع في الأوساط الإسرائيلية المجتمعية والحزبية، لا تخلو من مفارقات، منها أن عدد فئتي الدروز والمسيحيين معاً هناك لا يتجاوز 340 ألف نسمة، في مقابل نحو 1.4 مليون حريدي، فكأن أمام الدولة فرصة لحشد يهود أقحاح، بما يعادل خمسة أمثال ما تروم حشده من هاتين الفئتين، المشكوك في ولائهم لها من البداية!

أحد عبرات هذه المشهد الغريب، أن مقاربة حكومة نتانياهو الانتهازية للمسألة، تمثل حائط صد قوياً يحول دون الضغط على الحريديم. نفهم هذا من كون حزبي يهوديت هتوراة وشاس، وهما شبكة الأمان النيابية لهؤلاء الأخيرين، يهددان بمغادرة الحكومة وإسقاطها، في حال إقرار تجنيد أتباعهم. وهكذا فإن توجيه البوصلة نحو العرب الذين لا يملكون ظهيراً حزبياً موازياً يظل أسهل وأقل كلفة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد