: آخر تحديث

المقنعة ألغت الألعاب

12
10
8

بعد أيام من ضراوة الانتخابات ورعب اليمين واليسار، خرجت «مدينة الأضواء» من المتاحف والأنفاق وأقبية التاريخ لكي تقدم نفسها للعالم، على أنها عاصمة الجمال والفتنة والسحر والغرابة.

قدّمت نفسها مثلما كانت في القرون الغابرة، عاصمة الآداب وربة الموسيقى وملاذ المرأة. وعرضت بلا حساب التماثيل الذهبية لنساء من ذهب، وملأت نهر السين في كل ضفافه وزواياه، أخيلة من الخيال، وخيولاً من بروق لا تلبث أن تصبح أفراساً بيضاً من أصائل العرب.

4 ساعات من نحت الإعجاز الفني حول مسرح واحد هو السين. وعلى ضفتيه تتلألأ لعبة الأضواء، راسمة لوحات مصنوعة من النور والظلام، والنهر يمتلئ بمراكبه القديمة تحمل وفوداً من أنحاء الكون. المتعادون والمتحاربون والمتخاصمون عبروا من هنا يغنون للسلام الذي تمثله الأولمبياد. لكنهم سوف يخرجون مباشرة من أحلام باريس ليعودوا إلى كوابيس الأرض، وهي مستعجلة عليه. ما هذا المشهد المرسوم بألوان الحياة وألوان الفرح سوى استراحة عابرة في لحظات الزمن الملغم بالفوضى والتربص والثوابت على الخراب.

كم خاطرة مرت في خاطري وأنا أشاهد صور المدينة العتيقة تحاول تغطية الكئيب بغطاء شفاف من بقائيات الأمل والتصالح. أنا أعرف هذه المدينة منذ زمن سحيق، وأعرف أن العالم يحلم بالمرور بها فيما هي تتبرم بنفسها. ذكية لدرجة أن لا أحد يقلقها بشيء. موهوبة لدرجة أن لا شيء يقنع مبدعيها. متمردة على كل مألوف بحيث إن رئيسها الشاب متزوج في عاصمة الماء من سيدة تكبره كثيراً كثيراً، كما يبدو من صور العرض الخارق.

كانت تمطر في باريس. وباريس كانت ترقص وتغني تحت المطر، ويشارك 7 آلاف رياضي في تقديم لياقات الجسد وطاقات الروح. وفود من 207 دول، انتظمت في عمل إبداع منسق متناسق متلاصق مثل فرقة موسيقية. ماذا سيبقى للألعاب نفسها. من دون قصد خطفت المقدمة الوهج الأول، والدهشة الأولى من هذه المنافسة التاريخية التي شعارها الشعلة، وإضاءة دروب المصير الأممي. لا هذه الحلبة الأزلية من الصراع بين الإنسان «الإنسان» وذلك الذي لا يكف عن إطلاق الوحوش في أثر الحياة والعالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد