التصق اسم المخرج كمال عطية بذاكرتي منذ أن شاهدت على شاشة تليفزيون أرامكو من الظهران في خمسينات القرن العشرين فيلم «المجرم» الذي أفزعني شكل أحد أبطاله وهو الفنان القدير علي رشدي الذي تنكر فيه بقناع مخيف. اعتقدت مذاك أن فيلم «المجرم» هو أهم أعمال عطية وأروعها، لكن تبين لي فيما بعد أن شهرة هذا المخرج المجتهد مصدره فيلم «قنديل أم هاشم» الذي أخرجه عام 1968 عن رواية بنفس الاسم للأديب يحيى حقي. والمفارقة هنا أن بطلي «المجرم» و«قنديل أم هاشم» هما نفس الممثلين (سميرة أحمد وشكري سرحان).
من الصعب اختزال سيرة وتجارب عطية في عمود صحفي، فالرجل كان صاحب انشغالات عدة في الموسيقى والإخراج وكتابة السيناريو والزخرفة ونظم القصائد الغنائية ونشر المقالات الفنية وإصدار المؤلفات.
تقول سيرته المنشورة أنه ولد في 2 يوليو 1919، وحصل على دبلوم في زخرفة المباني عام 1939 من معهد ليوناردو دافنشي بالقاهرة، وبدأ حياته بكتابة الأغاني والمقالات الأدبية في الصحف والمجلات المصرية منذ عام 1942. كان هذا قبل أن يلتحق في عام 1946 باستوديو مصر ليعمل كمساعد مخرج لصلاح أبوسيف متأثرا بالمخرجين محمد كريم وأحمد بدرخان. وحينما توفي في 15 يناير 2008، كان رصيده: إخراج 25 فيلما روائيا، واخراج 9 أفلام تسجيلية قصيرة (أهمها فيلم «فجر جديد» عام 1965)، وكتابة أغاني وسيناريو وحوار 21 فيلما، وإنتاج فيلمين («عبيد الجسد» عام 1962، و«ليس لعصابتنا فرع آخر» عام 1989)، وإعداد موسيقى فيلم واحد (دايما في قلبي عام 1946). وإصدار ثلاثة كتب هي (السيرة أطول من العمر سنة 2001)، (قصاقيص الذكريات سنة 2006)، و(مذكرات أغنية سنة 2004).
كتب أولى أغنياته لفيلم (دايما في قلبي) الذي أخرجه عام 1946 صلاح أبو سيف، وهو في الوقت نفسه أول فيلم له كمساعد مخرج، بل هو الذي قام بتمصير الفيلم عن قصة «جسر واترلو». لحن الأغنية الموسيقارمحمود الشريف وأدتها بطلة الفيلم عقيلة راتب، وكان مطلعها «دايما في قلبي وعلي بالي.. مهما الزمن غيّر حالي». كما كتب أغنية خصيصا لهند رستم كي تؤديها في فيلمه «عشاق الليل» الذي أخرجه عام 1957، لكن الرقابة اعترضت عليه بحجة أن بها اسقاطات جنسية، فاضطر لتغيير كلماتها دون اللحن. غير أن أشهر أغنية من نظمه على الإطلاق هي أغنية «الغاوي نقط بطاقيته» التي كتبها بطلب من صديقه المخرج نيازي مصطفى كي تؤديها الشحرورة صباح من ألحان الموسيقار محمد الموجي في فيلم «جوز مراتي» سنة 1961. وكادت الأغنية أن تمنع على يد أحد رجال النظام الحاكم بحجة أن صباح أدتها بدلع فاضح، لولا رفض الرئيس عبدالناصر لوجهة النظر تلك. وكتب عطية أغاني كثيرة أخرى أداها مطربون ومطربات وممثلون وممثلات في أفلامه وأفلام غيره، ومنها «دوبني دوب» لنجاة الصغيرة، و«الواد القهوجي» لهدى سلطان، و«عطشان يا صبايا» لعبداللطيف التلباني، و«شدة وتزول» لعبدالعزيز محمود، و«الله الله يا بدوي جاب اليسرى»، التي غنتها فرقة دراويش كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية في فيلم «بنت 17» بمشاركة زبيدة ثروت.
قبل أن يبدأ عطية رحلة الإخراج المستقل في عام 1950 من خلال أول أفلامه «حبايبي كثير» من بطولة رجاء عبده وكمال الشناوي وماجدة وفريد شوقي، كان قد عمل كمساعد مخرج لصلاح أبوسيف في 3 من أفلام الأخير وهي «دايما في قلبي»، و«المنتقم»، و«مغامرات عنتر وعبلة». توالت بعد ذلك أعماله السينمائية في الفترة الممتدة من 1950 إلى 1989، والتي يمكن تقسيمها إلى أفلام تناقش القضايا الاجتماعية والعاطفية بجرأة غير معتادة (مثل: «بنت 17» عام 1958، و«آخر من يعلم» عام 1959، و«نهاية طريق» عام 1960، وأفلام تعتمد على المغامرة والأكشن (مثل: «سوق السلاح» عام 1960)، وأفلام الجريمة والغموض والبوليسية (مثل: «المجرم» عام 1954، و«قتلت زوجتي» عام 1956، و«المتهم» عام 1957، و«مدينة الصمت» عام 1973، و«طريق الشيطان» عام 1963، و«المعتوه» عام 1982)، وأفلام ذات مغزى سياسي (مثل: «الشوارع الخلفية» عن قصة لعبدالرحمن الشرقاوي عام 1974)، علما بأن موضوعات أعماله شملت قصص الصراع بين الخير والشر ومشاكل المراهقة والفراغ العاطفي والخيانة الزوجية وتجارة المخدرات والمباني الآيلة للسقوط ومحاربة الخرافات من خلال علاقات وظروف متشابكة ومعقدة.
وللمخرج أيضا فيلما دينيا غير مسبوق حول الاسئلة الوجودية عن الله وكينونته شارك في كتابته يهودي ومسلم ومسيحي هو فيلم «رسالة إلى الله» الذي أخرجه عام 1961 من بطولة مريم فخر الدين وحسين رياض وأمينة رزق وأحمد خميس وعبدالمنعم ابراهيم. أما آخر أفلامه فكان فيلم «ليس لعصابتنا فرع آخر» في عام 1989، وهو فيلم يتناول محاربة الخرافات والبدع بطريقة كوميدية وليس بطريقة جادة كما في فيلم «قنديل أم هاشم».
والملاحظ ان الفنانة القديرة سميرة أحمد كانت بطلة لمعظم أعماله السينمائية التي حصل بعضها على جوائز مثل فيلم «رسالة إلى الله» الذي حاز على جائزة الفيلم الممتاز في مهرجان كورك الدولي في أيرلندا، علما بأنه تمّ تكريم عطية في المهرجان القومي السادس للسينما المصرية عام 2000، وصدر عنه في تلك المناسبة كتاب بعنوان «كمال عطية.. التعدد الابداعي وعشق السينما» من تأليف الناقد المصري ناجي فوزي، ونال شهادة تقدير الرواد من مهرجان القاهرة الدولي عن مجمل أعماله الفنية، ناهيك عن اختيار فيلمه «قنديل أم هاشم» ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.