أحمد محمد الشحي
تعيش المجتمعات في هذه العقود عصراً جديداً من التفاعلات الحضارية البشرية، أوجدت فيه العولمة حالة جديدة من التشابك والتداخل والانفتاح بين الدول والشعوب، لتلتقي أمواج من الثقافات والعادات والتوجهات والأفكار والتجارب، فتتقاطع معها فرص مشتركة للتعاون والتعارف والتعلم.
لقد اختزلت العولمة المسافات، وسهلت تدفق المعلومات بطرق غير مسبوقة، وفتحت الأبواب أمام ثقافات متعددة، حتى أصبح هذا واقعاً نعيشه ويعيشه أبناؤنا وبناتنا، سواء عبر تقنيات الاتصال الحديثة التي تجعلنا على تواصل دائم عبر الهواتف الذكية، أو عبر وسائل النقل التي اختصرت الزمن والمسافة.
وهنا تتجلى أهمية ترسيخ القيم الوطنية التي تحقق هذه الغايات، وتجعل الإنسان يسير على أرضية صلبة تمكّنه من حسن التعامل مع هذا الواقع، وفق نهج مستنير يجمع بين أصالة الجذور الراسخة وتجدد الأغصان الممتدة، لتأتي هذه الأشجار من كل ثمر بهيج.
وتتجلى في مقدمة هذه القيم قيمة الولاء والانتماء وتعميق الحس الوطني، التي تجعل الإنسان مرتبطاً بوطنه وقيادته ارتباطاً وثيقاً، كارتباط الروح بالجسد، لا ينفك عنه في حضر أو سفر، ولا يتغير مهما تبدلت الأحوال والظروف، ومهما كانت المؤثرات والمغريات، ارتباطاً يجد فيه هويته وانتماءه الثقافي، فلا يرى نفسه فرداً منعزلاً، بل جزءاً أصيلاً من وطن له قيم وإنجازات وتاريخ.
ومن القيم الوطنية المهمة كذلك قيمة الهوية الثقافية، بما تمثله من ركيزة أصيلة تحفظ للمجتمع ملامحه، وتقيه من الذوبان في محيط التأثيرات الوافدة، هذه القيمة التي تترجم في اللغة التي ننطق بها.
ومن هذه القيم كذلك قيمة المسؤولية، التي تجعل الفرد عضواً يسهم بفعالية في نهضة الوطن، وحماية نسيجه المجتمعي، والالتزام بأنظمته وقوانينه، والاصطفاف خلف قيادته، والالتزام برؤيتها ونهجها في التعامل مع المواقف والقضايا، سواء في الواقع الحي أو الافتراضي.
ومن أهم هذه القيم الوطنية كذلك لمواجهة التأثيرات السلبية للعولمة، قيمة التكاتف والتكافل المجتمعي، فإن من أخطر ما قد تسببه العولمة التفكك الخفي الذي قد يصيب المجتمعات من داخلها، حين تنزاح القيم من مركز الحياة، ويحل محلها الفراغ والانفصال الاجتماعي والفردانية.
إن ترسيخ هذه القيم وغيرها يتطلب جهوداً وطنية مشتركة، تتكاتف فيها الأسرة والمدرسة والإعلام ومنابر الجمعة والمنصات الثقافية وغيرها، لتصبح رياضاً خصبة تزهر فيها بذور القيم النبيلة، فتثمر تنمية مستدامة، ورفعة متجددة، وقوة صلبة، تعلو بالوطن في حاضر مشرق ومستقبل واعد.