: آخر تحديث

إيران وتعزيز الثقة

3
3
3

عبدالعزيز سلطان المعمري

في كل مرة تعلن فيها طهران عن نيتها ورغبتها فتح صفحة جديدة، ومرحلة مختلفة للعلاقات والتعاون والتفاهم مع دول الخليج العربي، يتكرر لنا المشهد ذاته الذي تعودنا عليه؛ وهو خطاب دبلوماسي جميل يتحدث بنبرة ودية عن التعاون والتكامل، وفي الجانب الآخر هناك مراقبون ومحللون يعيدون قراءة هذه التصريحات بعيون الخبرة التاريخية والتجارب الماضية.

هذه المرة، لا يبدو السياق مختلفاً إلا في أمرين: الأول، أن إيران في المرحلة الحالية تواجه تحديات غير مسبوقة من حيث عمقها واتساعها وأبعادها وتأثيراتها؛ والثاني، أن دول الخليج العربي لم تعد مجرد دول مستقبلة ومتأثرة بالأوضاع الإقليمية، بل هي اليوم تقوم بدور فاعل ومؤثر ومساهم في صياغة معادلة النفوذ الإقليمي، وفق مقاربات براغماتية وواقعية.

لذلك، فإن قراءة دعوة الرئيس الإيراني الأخيرة التي جاءت بعد «حرب 12 يوماً» بين إيران وإسرائيل، والتي دعا فيها للتعاون الشامل مع دول الخليج العربي.

فمن المنظور الاستراتيجي، تملك إيران أربعة محددات تجعل من أي انفتاح دائم معها عملية معقدة جداً: الأول العقيدة والإيديولوجيا الثورية لديها، فالخطاب الثوري الذي تأسست عليه لم يكن مجرد أداة تعبئة داخلية، بل عقيدة تعتبر فيه «تصدير الثورة» وسيلة لحماية النظام واستمراره.

المحدد الثاني هو اعتماد طهران على دعم جماعات وميليشيات مسلحة خارج حدودها، ما مكنها من توسيع نفوذها بتكلفة مالية وسياسية محدودة نسبياً، حتى أصبحت هذه الجماعات والميليشيات جزءاً من أدوات الردع الاستراتيجي ضد خصومها، «حتى قامت إسرائيل بعمليات عسكرية ضد بعض الميليشيات الإيرانية».

المحدد الثالث هو ازدواجية مراكز القرار الإيراني، حيث أن القرار ليس بيد القيادة السياسية وحدها، بل هناك مؤسسات أخرى تشاركها القرار وتؤثر وتلغي كذلك، مثل الحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات.

أما المحدد الرابع فهو قدرة إيران على ممارسة البراغماتية عندما تقتضي الضرورة، ثم العودة إلى سياسة التصلب بعد تجاوز الأزمة، وهذا ما حدث بعد توقيع الاتفاق النووي، حيث تراجع التوتر مع الغرب دون أن يواكبه أي تعديل جوهري في سلوك إيران في المنطقة.

لهذا، لا يمكن التعامل مع دعوة التعاون الحالية باعتبارها تغيراً في السياسة الإيرانية أو انعطافة استراتيجية كاملة أو تغيراً في الفكر والعقيدة الإيرانية، بل هي أقرب إلى كونها مرحلة تهدئة وتصرف تكتيكي مرحلي.

لذا يجب على إيران، «إن كانت جادة وصادقة» لإعادة بناء الثقة وتعزيزها وترميمها، أن تراجع تاريخ علاقاتها مع دول الخليج العربي، وتعي أن الثقة لا يمكن أن تبنى إلا على ركيزتين: الالتزامات المكتوبة والسلوك الإيجابي.

كما أنها، إن كانت جادة أيضاً في إعادة تعريف علاقتها مع جيرانها، عليها أن تعرف أن هناك مجموعة شروط استراتيجية لا يمكن تجاوزها، منها وقف دعم الميليشيات.

كما أن السلام والاستقرار ليس شعاراً رناناً ولا بياناً مكتوباً فقط، بل هو منظومة معقدة من التفاهم والتوافق والتشارك، بالإضافة إلى الوعي العميق بأهمية التعاون لبناء مستقبل تنعم به دول وشعوب المنطقة ويسوده الاستقرار والرفاه.

التحدي الأكبر، هو أن تنجح إيران في الانتقال من براغماتية الضرورة إلى براغماتية القناعة، ذلك وحده ما قد يفتح صفحة جديدة حقيقية لا تنتهي سريعاً مع أول اختبار حقيقي.

الفرق بين إيران ودول الخليج العربي، أن دول الخليج صاحبة رؤية وخطط تنموية؛ لذا فهي تدرك أن التعايش مع إيران قدر جغرافي لا مفر منه، فهي تعلم أهمية التعاون معها تجارياً وسياساً وحتى أمنياً، ويهمها أن تنعم المنطقة باستقرار وأمن، ما يعزز من تطورها والاستمرار في خططها التنموية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد