إيلاف من الرباط :صادقت لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين المغربي (الغرفة الثانية في البرلمان )، في الساعات الأولى من يوم السبت بالأغلبية، على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وذلك بعد إدخال تعديلات جوهرية على بعض بنوده.
وجرى التصويت لصالح المشروع بموافقة 10 مستشارين مقابل معارضة 5 آخرين، في جلسة عرفت مناقشة مكثفة شملت عددا من التعديلات المقترحة من طرف الحكومة والفرق البرلمانية.
وتضمنت التعديلات المعتمدة تقليص الآجال الموجبة للتبليغ عن تنفيذ الإضراب في القطاعات العمومية والخاصة، إضافة إلى تكريس الحقوق المعنوية للأجراء ضمن تعريف الإضراب، وهو مكسب جديد للعمال المغاربة. كما تم حذف العاملات والعمال المنزليين من الفئات المعنية بالإضراب، وهو تعديل أُدرج سابقا في مجلس النواب.
ووافقت الحكومة على تعميم حق خوض الإضراب للنقابات ذات الوضعية القانونية السليمة، رغم أنها لا تتوفر على صفة النقابة الأكثر تمثيلية بالنسبة للعمال أو الموظفين، على شرط أن تكون قد شاركت في انتخابات اللجان الثنائية.
وفيما قدمت أحزاب الأغلبية تعديلات مشتركة، تقدمت فرق المعارضة بمقترحات متفرقة، همت بعضها ديباجة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، غير أن الحكومة رفضت تعديلها، مع التعهد بالعمل على صياغة ديباجة توافقية للمشروع.
ومن التعديلات التي لاقت قبولا، الاتفاق على تعريف الإضراب باعتباره "توقفا مؤقتا أو محددا عن العمل، يمارس بشكل جماعي من طرف الموظفين والأجراء والعمال". كما تم منح السلطات العمومية الحق في اللجوء إلى القضاء الاستعجالي من أجل الإيقاف المؤقت للإضراب في الحالات التي يمكن أن تهدد النظام العام أو تؤثر على الحد الأدنى من الخدمة.
ويتميز المشروع المصوت عليه بإلغاء العقوبات السالبة للحرية، وتعزيز الضمانات القانونية.
وعبرت الحكومة،ممثلة في وزير الشغل والإدماج المهني، يونس السكوري، الذي تابع عملية التصويت منذ بدايتها، عن رفض خوض الإضراب بالتناوب أو الدخول في إضراب ذي طابع سياسي. كما وافقت على إلغاء العقوبات الجنائية الأشد والعقوبات السالبة للحرية، واستبدال العقوبات بكلمة "جزاءات"، مع رفع الجزاءات المالية ضد المشغلين الذين يعوضون العمال المضربين بعمال آخرين خلال فترة الإضراب.
وعرفت جلسة التصويت توافق الفرق البرلمانية، بما فيها الفرق الممثلة للاتحادات العمالية لكل من الاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حول معظم التعديلات المطروحة.
وفي تصريح لـ "إيلاف"، قال يونس السكوري، وزير الشغل والإدماج المهني، إن الحكومة استمعت لجميع الأطراف، بما في ذلك الشارع المغربي والحركة النقابية والمشغلين، واستجابت لعدد من المطالب من خلال تبسيط إجراءات ممارسة حق الإضراب وإدماج الحقوق المعنوية للأجراء إلى جانب الحقوق المادية.
المسار التشريعي للمشروع
بعد مصادقة اللجنة البرلمانية عليه، سيبرمج المشروع للتصويت عليه بالجلسة العامة، وبعدها سيحيله مكتب مجلس المستشارين على مجلس النواب (الغرفة الأولى) لإجراء قراءة ثانية فيه، للنظر في التعديلات التي أدخلها المستشارون بالغرفة الثانية.
وبعد التصويت النهائي عليه من طرف مجلس النواب، سيحال على المحكمة الدستورية للنظر في مدى مطابقته لأحكام الدستور، حيث يمكن للمحكمة الدستورية أن تعيده لمجلس النواب في حالة وجود مقتضيات غير متوافقة مع الدستور.
وفي نهاية المسار التشريعي، سيُحال القانون على الأمانة العامة للحكومة التي ستأمر بنشره في الجريدة الرسمية، ليصدر رئيس الحكومة بعد ذلك قراراً بتطبيقه، ليصبح ساري المفعول.
مشروع متوازن بين الحقوق النقابية ومتطلبات الاقتصاد الوطني
يهدف مشروع القانون التنظيمي للإضراب إلى تحقيق توازن دقيق بين ضمان حق الأجراء في ممارسة الإضراب كحق دستوري، وحماية استمرارية الخدمات الأساسية واستقرار الاقتصاد الوطني.
ويسعى إلى وضع إطار قانوني واضح يحدد شروط وكيفيات الإضراب، بما يضمن تفادي العشوائية في تنفيذه، وحماية الحقوق المادية والمعنوية للأجراء باعتبارها مكاسب للشغيلة المغربية.
كما يتضمن المشروع إجراءات لتحديد الحد الأدنى من الخدمة، خصوصا في القطاعات الحيوية، للحفاظ على المصالح العامة وضمان عدم تأثر المواطنين سلبًا بالإضرابات.
ويعزز المشروع العلاقة بين الأجراء والمشغلين من خلال قواعد تنظيمية تحد من النزاعات العمالية غير المنظمة، إلى جانب تقنين اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لوقف الإضرابات التي قد تهدد النظام العام أو تؤثر على الخدمات الأساسية. كما يشمل حذف العقوبات السالبة للحرية والإكراه البدني، واستبدالها بجزاءات مالية، مع منع الإضراب بالتناوب والإضراب السياسي لضمان توجيه الإضرابات إلى الدفاع عن الحقوق المهنية فقط.
ويسعى هذا الإطار القانوني الجديد إلى تعزيز الاستقرار في سوق الشغل، وضمان تفاعل متوازن بين حقوق العمال واحتياجات الاقتصاد الوطني.