لا تزال الحرب الدائرة في غزة بين حركة حماس وإسرائيل تتصدر مقالات الرأي في الصحف الأمريكية والبريطانية، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، حين شنت الحركة هجوما باغتا على إسرائيل في عملية أطلقت عليها "طوفان الأقصى".
ونستهل عرض الصحف بمقال من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بعنوان "إسرائيل تضغط بهدوء على مصر للسماح باستقبال أعداد كبيرة من سكان غزة"، لباتريك كينجزيلي، مدير مكتب الصحيفة في القدس الشرقية المحتلة.
يستهل كينجزيلي مقاله بالحديث عن أن إسرائيل "حاولت بهدوء" حشد دعم دولي في الأسابيع الأخيرة لنقل عدة مئات الآلاف من المدنيين من غزة إلى مصر طوال مدة حربها في القطاع، بحسب ستة دبلوماسيين رفيعي المستوى.
ويضيف الكاتب أن القادة والدبلوماسيين الإسرائيليين اقترحوا الفكرة بشكل خاص على العديد من الحكومات الأجنبية، واضعين إياها كمبادرة إنسانية ستسمح للمدنيين بالهروب مؤقتا من المخاطر التي تحدث في قطاع غزة إلى مخيمات اللاجئين في صحراء سيناء، عبر الحدود في مصر المجاورة.
إلا أن هذا المقترح قوبل بالرفض، وخاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا، خوفاً من أن يكون هذا بمثابة "نزوح جماعي دائم".
وتخشى هذه الدول من أن يؤدي مثل هذا التطور إلى زعزعة استقرار مصر، وكذلك إبعاد أعداد كبيرة من الفلسطينيين عن وطنهم، بحسب ما قاله الدبلوماسيون الذين تحدثوا إلى الكاتب دون الكشف عن هُويتهم.
كما أن هذا المقترح قوبل برفض شديد من قبل الفلسطينيين، الذين يخشون من أن إسرائيل تستخدم الحرب ، التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول بعد أن هاجمتها حركة حماس، لتهجير أكثر من مليوني شخص يعيشون في غزة بشكل دائم.
ويوضح الكاتب أن أكثر من 700 ألف فلسطيني فروا أو "طُردوا" من منازلهم التي كانت تقع فيما يعرف الآن بإسرائيل خلال الحرب التي أحاطت بإنشاء الدولة عام 1948.
ويتابع: "يحذر العديد من أحفاد الفلسطينيين من أن الحرب الحالية سوف تنتهي بـ 'نكبة' أو كارثة مماثلة".
ويقول الكاتب: "إن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض التعليق على المقترح. بينما رفضت مصر فكرة التهجير المؤقت، فما بالك بالتهجير الدائم".
تواصل كاتب المقال مع المتحدث باسم الحكومة المصرية للتعليق، لكنه رفض، وبدلاً من ذلك أشار إلى خطاب ألقاه، الشهر الماضي، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن نفس الموضوع، ورفض خلاله ذلك المقترح.
ويستشهد الكاتب بتصريحات السيسي الذي قال خلالها "إن مصر قد أكدت وكررت رفضها التام للتهجير القسري للفلسطينيين ونزوحهم إلى الأراضي المصرية في سيناء، حيث إن ذلك ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية".
ويشير الكاتب إلى وثيقة خاصة بإدارة تابعة لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية، التي لا تتمتع بسلطة تنفيذية، تاريخها 13 أكتوبر/تشرين الأول أوصت بـ "إجلاء السكان المدنيين من غزة إلى سيناء".
وقد سُربت الوثيقة إلى موقع "نيو لوكال" الإخباري الإسرائيلي. وأكد مكتب رئيس الوزراء صحة الوثيقة، لكنه قال إنها مجرد "ورقة مبدئية".
إنشاء "اقتصاد حرب"
ونطالع مقالاً آخر من صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية وتقرير للكاتب جاي شازان بعنوان "لست متأكداً من أن لدينا شبكة أمان: الشركات الإسرائيلية تنهار بينما تضرب الحرب الاقتصاد".
ويبدأ الكاتب مقاله متحدثا عن تأثير الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس على اقتصاد الدولة العبرية.
ويقول: "لقد أحدثت الحرب التي شنتها إسرائيل على حماس موجات من الصدمة في اقتصادها الذي يبلغ حجمه 488 مليار دولار، ما أدى إلى تعطيل الآلاف من الشركات، وإرهاق المؤسسات العامة، وإغراق قطاعات بأكملها في الأزمة".
ويشير كذلك إلى تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تعهد خلالها بـ"إنشاء اقتصاد الحرب"، ووعد بتحويلات نقدية ضخمة للشركات والمناطق المعرضة للمخاطر.
ويقول الكاتب إن نتنياهو كان يتحدث في الوقت الذي كشف فيه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن مساعدات لجنود الاحتياط في الجيش، واتخاذ إجراءات لتعويض الشركات عن خسائر الحرب.
ورحب بعض من رواد الأعمال ورؤوس الأموال بحزمة المساعدات هذه.
بيد أن كثيرين قالوا إنها ليست كافية. إذ قال المنتقدون إن معايير أهلية الحصول على المساعدات صارمة للغاية. بينما قال آخرون إن الإجراءات لم تقدم أي مساعدات للشركات الكبرى.
ويعطي الكاتب أمثلة على بدء انهيار الاقتصاد، مستشهداً برسالة بريدية تلقاها، مؤخراً، العملاء المخلصون لفنادق "أطلس" الإسرائيلية وهي نداء عاجل للتبرع لإنقاذ الشركة من الانهيار.
ويضيف قائلا إن شركة "أطلس" فتحت فنادقها الـ16 لاستقبال 1000 شخص تم إجلاؤهم من النازحين الإسرائيليين، بعد الهجوم الذي وصفه بـ"المميت" والذي شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقد فشلت الحكومة في تحمل التكاليف، وبدأت الشركة في شن حملة ضدها، وفق قول الكاتب.
كما يقول الكاتب إنه على الرغم من أن الشيكل الإسرائيلي بدأ في التعافي بعد الحرب، لا تزال هناك أدله على تأثير الحرب "المدمر" على الاقتصاد.
إذ خلصت دراسة استقصائية للشركات الإسرائيلية، أجراها مكتب الإحصاء المركزي، إلى إن واحدة من كل ثلاث شركات أغلقت أبوابها أو باتت تعمل بطاقة 20 في المئة أو أقل منذ بداية الحرب، في حين أبلغ أكثر من النصف عن خسائر في الإيرادات بنسبة 50 في المئة أو أكثر.
وكانت النتائج، وفقاً للدراسة، أسوأ في الجنوب وهي المنطقة الأقرب إلى غزة، حيث أغلقت ثلثا الشركات أعمالها أو خفضتها إلى الحد الأدنى.
في هذه الأثناء، تقول وزارة العمل الإسرائيلية إن 764 ألف إسرائيلي، وهو ما يشكل 18 في المئة من القوى العاملة، لا يعملون الآن، بعد استدعائهم للخدمة الاحتياطية، أو بعد إجلائهم من مدنهم.
ويعتبر الكاتب الإجراءات التي كشف عنها نتنياهو ووزير المالية سموتريش، الأسبوع الماضي، أكثر سخاء من الحزمة السابقة.
فبموجب الأحكام الجديدة، ستدعم الحكومة الشركات التي انخفضت إيراداتها الشهرية بأكثر من 25 في المئة بسبب الحرب، من خلال تغطية ما يصل إلى 22 في المئة من تكاليفها الثابتة و75 في المئة من فاتورة أجورها، من بين خطوات أخرى.
"لماذا تمتلئ الشوارع بتظاهرات مؤيدة لفلسطين؟"
وننهي جولة عرض الصحف بمطالعة مقال من صحيفة الغارديان البريطانية للكاتبة نسرين مالك تحت عنوان "المسيرات المؤيدة لفلسطين ليست مسيرات كراهية - إنها تعبير عن التضامن والعجز والإحباط".
وتبدأ الكاتبة مقالها قائلة، بينما تمتلئ الشوارع بأعداد متزايدة من المؤيدين لفلسطين وبينما يتم التخطيط لتظاهرة كبيرة في وسط لندن الأسبوع القادم، يصف الساسة البريطانيون، مثل وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، تلك المسيرات بأنها "مسيرات الكراهية".
بينما يصف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك التظاهرات بأنها "مستفزة ومهينة".
وتقول الكاتبة إن البعض سيكونون حذرين من هذه المسيرات من منطلق حسن النية؛ فحوادث الكراهية "المعادية للسامية" في بريطانيا في ازدياد، وفق قولها.
ليس هذا فسحب، بل تضيف الكاتبة قائلة: "إن الفظائع التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول هزت المجتمع اليهودي، الذي رأي أن حداده على ضحايا الحادث تلاشى على الفور بالتعاطف مع قطاع غزة".
فقد يبدو الدعم لفلسطين مشكوكاً فيه من الجمهور الذي لا يؤيد العديد من القضايا المماثلة الأخرى.
وتتساءل الكاتبة: "لماذا تدفع هذه القضية الكثيرين إلى الخروج إلى الشوارع، في حين أن العديد من المظالم الأخرى حول العالم تُقابل بالصمت؟"
وتحاول نسرين الإجابة على هذا السؤال، موضحة أن الجواب لن يكون مباشراً تماماً، لكنه ليس "شريراً" كما تصفه.
ففلسطين ليست القضية الوحيدة في العالم التي تواجه "ظلماً"، لكن لها "صدى فريدا".
إذ إن الديمومة والاتساق التاريخيين للصراع، وكذلك كل تلك السنوات من الاحتلال غير القانوني والتهجير والسلب وإعادة التوطين، كل هذه الأسباب تمنحه شكلاً ومكاناً في العقل العام، مقارنة بما تفتقر إليه الصراعات الأخرى.
وتُرجع السبب كذلك في تميز هذا الصراع إلى "إنه مع اقتراب عدد القتلى في غزة مما يُقدر بنحو 10 آلاف شخص، فإن الادعاء بأن الخسائر في الأرواح يبرره 'حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها' يصبح غير مقبول على نحو متزايد".