ايلاف من لندن : سارع رئيس الوزراء العراقي الخميس الى الاستجابة لطلب عاجل من السلطات التركية بالغاء قرار رسمي باستخدام اللغتين العربية والكردية وحدهما في المراسلات الرسمية بمحافظة كركوك الشمالية، ما أعتبر انتهاكا لحقوق التركمان، أحد ثلاثة مكوناتها الكبرى وللغتهم.
فقد وجه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني باعتماد اللغة التركمانية لغةً ثالثة في المخاطبات الرسمية ضمن الحدود الإدارية لمحافظة كركوك (255 كم شمال شرق بغداد) التي يقطنها مليون ونصف المليون نسمة من التركمان والاكراد والعرب والمسيحيين.
وقال باسم العوادي، الناطق باسم الحكومة العراقية، في بيان تابعته "ايلاف"، إن القرار أتى "استناداً إلى قانون اللغات الرسمية الذي صوت عليه البرلمان في عام 2014 ووفقاً للمادة 9 من القانون التي تنصّ على أنّ اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان في الوحدات الإدراية التي يشكل التركمان أو السريان فيها كثافة سكانية".
باسم العوادي المتحدث الرسمي بأسم الحكومة العراقية
وشدد المتحدث الرسمي العراقي على أن "الحكومة تنظر بعين المساواة لكل فئات الشعب العراقي وفقاً لمنهجها الوطني واستناداً إلى الدستور العراقي النافذ".
وكانت الأمانة العامة لرئاسة الوزراء العراقية قد بعثت برسالة إلى محافظة كركوك مؤخرا تطلب فيها استخدام اللغتين العربية والكردية فقط في المراسلات الرسمية بمحافظة كركوك، ما أثار استياء التركمان.
إنصاف التركمان
من جهته، قال المكتب السياسي للجبهة التركمانية العراقية في بيان صحافي حصلت "ايلاف" على نصه: "ترفض الجبهة التركمانية العراقية رفضاً قاطعًا الفقرة الخامسة الواردة في الخطاب الموجه من الامانة العامة لمجلس الوزراء الى ادارة محافظة كركوك في 28 فبراير الماضي حول التوصيات المقدمة من قبل لجنة الامر الديواني (50 لسنة 2014) لمتابعة تنفيذ قانون اللغات الرسمية".
وطالب رئيس الوزراء "بالتدخل الفوري والايعاز بإلغاء الفقرة المذكورة انفًا وتصحيح الاجراءات المتخذة وانصاف الحقوق اللغوية والثقافية للمكون التركماني في العراق".
رسمي وعاجل
جاء القرار بعد ساعات من دعوة عاجلة وجهتها السلطات التركية الى نظيرتها العراقية إعادة النظر بـ "شكل سريع" في قرارها تقييد الاستخدام الرسمي للغة التركمانية في كركوك.
وأوضحت الخارجية التركية في بيان اطلعت عليه "ايلاف" أن قرار الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي فرض قيودًا على الاستخدام الرسمي للغة التركمانية في كركوك. وأكدت أن القرار "ينتهك الحقوق الأساسية للتركمان الذين يعتبرون عنصرا مؤسسا وأصيلا في العراق ويتعارض بشكل واضح مع أحكام الدستور العراقي".
وشددت الخارجية التركية على أن المادة الرابعة من الدستور العراقي تقضي بأن التركمانية لغة رسمية في الوحدات الإدارية التي يشكل التركمان أغلبية فيها، مضيفة ان المادة 125 من الدستور العراقي تنص على أن الدستور يكفل الحقوق الإدارية والثقافية لجميع المكونات التي يتكون منها العراق.
ولفتت الخارجية التركية في بيانها الذي وزعته وكالة "الاناضول" الاخبارية التركية الرسمية الى أن "مثل هذه الخطوات تتجاهل حقوق التركمان الذين يعتبرون أحد العناصر الأساسية في العراق ومحافظة كركوك ومن شأنها أن تضر بجهود ترسيخ ثقافة التعايش السلمي في المحافظة"، داعية السلطات العراقية إلى مراجعة قرارها بسرعة.
يذكر ان المادة 125 من الدستور العراقي تنص على: "يضمن هذا الدستور الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان، والكلدان والاشوريين، وسائر المكونات الاخرى، وينظم ذلك بقانون".
وتشير مصادر تاريخية الى ان اصول التركمان في العراق تعود الى عام 54 للهجرة ويطلق هذا الاسم على العراقيين المتحدرين من أصول تركية وبدأت تسميتهم بالتركمان في عهد السلاجقة.
يتوزع التركمان على المناطق الشمالية والوسطى من العراق وفي بعض أحياء العاصمة بغداد ويعدون ثالث أكبر مجموعة عرقية في العراق بعد العرب والأكراد ويقدّر عددهم بين مليونين إلى 2.5 مليون نسمة.
لا يزال تركمان العراق يحتفظون بلغتهم التي تعرف بـ"التركمانية" ويتحدث معظمهم بها كما يتقن التركمان العربية ويتحدث بعضهم الكردية.
قانون اللغات الرسمية في العراق
كان البرلمان العراقي قد سنّ في 7 يناير 2014 قانونا جديدا اطلق عليه "قانون اللغات الرسمية في العراق"، ونصت المادة 4 فيه على الآتي: "تستخدم اللغتان العربية والكردية في الاجتماعات الرسمية ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء الاتحادي ومحلس القضاء الاعلى والهيئات والمؤسسات الاتحادية الاخرى والاجتماعات الرسمية في اقليم كردستان وبرلمانه ورئاسته وحكومته".
كما نصت المادة 7 على انه "يجوز فتح مدارس لجميع المراحل للتدريس باللغة العربية أوالكردية أو التركمانية أو السريانية أو الأرمنية أو المندائية في المؤسسات التعليمية الحكومية أو في المؤسسات التعليمية الخاصة وفقا للضوابط التربوية".
تعد اللغة العربية اللغة الرسمية لسكان العراق حيث تتحدثها أغلبيتهم
اللغة الكردية، فيما تم اعتماد اللغة الكردية لغة رسمية في العراق في عام 2005 بعد كتابة الدستور الجديد حيث يتحدث بها عدد ليس بالقليل من العراقيين الكرد وخصوصًا في اقليم كردستان شمال البلاد. أما اللغة التركمانية فيتحدث بها كثيرٌ من العراقيين التركمان الذين يسكنون المحافظات الشمالية وعدد منهم يسكن في العاصمة بغداد، بينما تعد السريانية اللغة الأم لطوائف الآشوريين السريان والكلدان المنتشرة في العراق وهي تحمل أهمية دينية خاصة لأن السيد المسيح تحدث بها كما ان الكثير من كتابات آباء الكنيسة والتراث المسيحي قد حفظ بالسريانية.
يشار الى ان في كركوك نحو مليون نسمة كركوك وهي من أكبر المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد الاتحادية وأربيل الكردستانية وتعتبر موطن خامس أكبر حقول احتياطي نفط في العالم.
شعارات تركمانية على جدران احدى البنايات في مدينة كركوك العراقية الشمالية (تويتر)
وعقب عام 2014 استغلت السلطات الكردية في إقليم كردستان فوضى غزو تنظيم داعش وانهيار قوات الأمن الاتحادية في إحكام سيطرتها على المحافظة.
لكن المحاولات الكردية اللاحقة للانفصال عن العراق والتي بلغت ذروتها في استفتاء سبتمبر 2017 أغضبت بغداد ودفعت حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي آنذاك، إلى قيادة حملة عسكرية كبيرة لاستعادة السيطرة على المحافظة والمناطق المتنازع عليها الأخرى المجاورة ما ادى الى الدفع بالقوات الكردية مرة أخرى إلى حدودها المتفق عليها دستورياً في اقليم كردستان.
وما زالت قضية كركوك تشكل احدى العقبات الرئيسية التي تمنع تسوية الخلافات بين بغداد واربيل ونص الدستور العراقي الجديد الذي صادق عليه العراقيون في عام 2005 في مادته 140 على اجراء استفتاء سكان المحافظة لتقرير مصيرهم بين البقاء تحت سلطة الحكومة المركزية في بغداد او الانضمام الى اقليم كردستان.