: آخر تحديث
"إيلاف" تستعيد حوارًا جرى قبل عقدين من الزمان

حين تحدّث غورباتشوف الأممي إلى عثمان العمير عن العرب والعالم

108
109
115
مواضيع ذات صلة

تستعيد "إيلاف" هنا حوارًا أجراه عثمان العمير مع ميخائيل غورباتشوف، عمره 30 عامًا تقريبًا، يتناول فيه شؤون "تلك" الساعة، التي لا تحيد كثيرًا عن شجونة "هذه" الساعة.

إيلاف من لندن: في يوم ١٠ يونيو 1992، نشرت "الشرق الأوسط" اللندنية حديثًا شاملًا مع ميخائيل غورباتشوف، أي بعد عام تقريبًا من سقوط الاتحاد السوفياتي، كان الأول من نوعه مع صحيفة عربية.

حاوره حينها عثمان العمير، ناشر "إيلاف" ورئيس تحريرها، وكان آنذاك رئيس تحرير "الشرق الأوسط"، فسلبه أسراره، ودفعه إلى كلام صريح، فقال حينها انه يعتبر انجاح مؤتمر السلام في الشرق الأوسط واجبًا مهمًا في اتمام عملية السلام، وأنه سيثير في زيارته لإسرائيل، التي يقود بها تلبية لدعوة من مركزين علميين، أهمية الاعتراف الصريح بكل الحقوق السياسية لأطراف المنطقة.

في هذا الملف المفتوح عن غورباتشوف، في إحياء لميلاده التسعين، تعيد "إيلاف" نشر الحوار كاملًا، في مقاربة تأريخية قديمة – جديدة لمسائل العرب والعالم، جلّها لم يتغير كثيرًا بمرور الزمن.

في ذلك الحديث لـ ”الشرق الأوسط“ في موسكو، كشف النقاب عن نيته زيارة مصر والسعودية في المستقبل القريب. ووصف موقف السعودية إزاء الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى بأنه ”حكيم“ وإنه احد العوامل التي تساعد على التوحد في المنطقة، وأعرب عن تقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك (الراحل) فهد بن عبد العزيز وسياسة حكومته.

وحول موضوع حرب الخليج، قال الرئيس السوفياتي السابق: "جرى تدويل الحادث، وكان هذا تصرفًا صحيحًا ولقي المعتدي جزاء اعتدائه كما أدين سياسيًا".

بالنسبة للشؤون السياسة، دعا غورباتشوف إلى اشكال جديدة للتعاون الدولي تنطلق من الدول السبع الكبار لكن تشمل اعضاء الاسرة الدولية بأسرها. ومضى قائلًا انه يجب ان يساعد مؤتمر السلام في الشرق الأوسط استحداث منظومة دولة تتعاطى مع الشؤون الاقليمية.

وحول مستقبل الرأسمالية والشيوعية، قال إنه يعتقد بوجود طريق ثالث يفرضه التعاون الدولي وتبادل المصالح والحاجات.

يطرق الأبواب بشدة
للحديث مع الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف هذه الأيام بالذات عدة معان يمكن تلخيصها بأن الرجل يطرق الأبواب بشدة.. مستعدًا للدخول من جديد في المعركة السياسية حول الكرملين! أما هل ينجح أو يفشل فتلك مسألة آخرى.

كان من المفترض أن يتم الحديث في أوائل هذا العام، وذهبت فعلا إلى موسكو، لكن غورباتشوف لم يحضر المكتب، وفسر مساعدوه ذلك أنه يمر بحالة ”مزاجية فريدة“ لا يحضر دائمًا، يلغي اتصالاته في أي وقت، وربما قرع مساعديه، وثار عليهم بدون سبب أحيانًا.

لماذا هذه المزاجية وما سببها؟

قال لي مراقب مطلع إنها مرحلة يمر بها معظم السياسيين المتقاعدين في بداية خروجهم من المعترك السياسي. إنها مرحلة الشعور بانعدام الوزن مثل القفز من عربة مسرعة، فكيف إذا الرجل السياسي بمواصفات وامكانات وحجم رجل تاريخي كان يقود عشرات الملايين من البشر، وخمس عشرة دولة، بل انه هدم معبدًا سياسيًا واقتصاديًا عالميًا بكامله على أمل بناء نظام جديد. ثم تحول من شخصية تملأ الدنيا وتشغل الناس إلى رقم خارج الحلبة السياسية - ولو مؤقتًا - تصرعه شخصية سياسية لم يكن أحد يقدر أنها ستقطف كل الثمار التي سقتها البيريسترويكا وبعد ذلك تدور حوله الشبهات ويستدعى للتحقيق أمام المدعي العام.

المدعي العام رجل صغير السن والقدر بالنسبة لغورباتشوف.

ووقتها يقول احد المختصين اهتزت اعصابه .. لم يكن يطيق شيئًا.

يقول مدير مكتبه الصحافي السيد الكسندر ليخوتال إنه من الآن في أحسن حالاته.. "قبل عدة أشهر، في يناير وفبراير، كان مهمومًا. لكنه وقبلها بأشهر تعرض لأكبر صدمة يتعرض لها زعيم. ثم يعيش ليراها امامه. انها صدمة ”خيانة الرفاق“ يقول غورباتشوف ”اصعب شيء عشتها على الصعيد الشخصي كان الخيانة. وسوف تظل شبحًا يلاحقني حتى نهاية العمر“.

وإذا نسي الخيانة كاملة فلن ينسى خيانة لوكيانوف رئيس مجلس السوفيات الاعلى وصديق العمر، الذي يقول عنه: ”كنت اعلق املي عليه، كنت اعتقد انه لا يمكن ان يخون، ولن يخون القضية، ولن يخونني، اربعون عامًا ربطتنا خلالها علاقات وفاقية منذ سنوات الدراسة“.

إنه شخص آخر
الصدمة.. صداع منصب الرئاسة.. ثم التحقيق معه امام المدعي العام.

أستيقظ من الصدمة، ووجد نفسه، كسياسي متقاعد، ان عليه ان يتعامل مع واقعه بشكل مقبول..

ثم يكمل مستشاره الصحافي امام عشاء تناولناه معًا في فندق السافوي:

إنه شحص آخر، كان قلقًا في البداية. شاعرًا بالقنوط والإحباط لقد فقد الكثير من مسؤولياته لكنه الآن اقوى من السابق.

”غوربي“ المستيقظ من الصدمة الآن يأتي إلى مكتبه الساعة الثانية ظهرًا يستقبل زواره في مؤسسة غورباتشوف. الواقعة في قلب موسكو، وتحتل أدوارًا متعددة في عمارة ضخمة كان يشغلها في السابق معهد العلاقات الاجتماعية التابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي. اختيرت بعناية لتشعره وكأنه ما يزال في الكرملين. السجاد الأحمر يقودك إلى مكتبه الصغير.

لكن اين هذا السجاد، وذلك المبنى، وتلك الأبهة التي يشعر بها المرء، ويلمسها بمجرد الدخول إلى الكرملين، والتوجه إلى مكتب غورباتشوف في ذروة مجده قبل عام واحد.

لا ربط بين الصورتين في زيارته لمكتبه في عام 1990م، في الكريملين والآن في هذه المكاتب التي لا تشابه تلك في شيء، الا عبارة السيد الرئيس التي ما يزال يطلقها عليه أنصاره وزواره وتردد أصداؤها في جنباتها.

عندمنا لا يكون في مكتبه يبقى في بيته، حيث مذكراته ولديه مفكرة يومية يسجل عليها دقيقة بدقيقة كل ما حدث له.

يقول لي: انجزت الفصل الاول من مذكراتي لقد سجلت فيها كل شيء.. ويقول احد مساعديه انه يستعين بالكتابة بأرشيف وبالذين ساعدوه "وستكون ضربة كبيرة، لانها اهم من كل المذكرات".

ويتلقى يوميا من خمسين إلى 100 رسالة من مختلف انحاء العالم، لكنه لا يقرأها كلها بل يقرأ الامور المهمة فيها.

ويقضي غورباتشوف اعماله ويستقبل زواره في المكتب ثم يقطع ثلاثين دقيقة بالسيارة ليعود إلى رايسا، والابناء والاحفاد يمضي معهم بقية المساء.

ضعف غورباتشوف امام العائلة وعقيلته السيدة رايسا بدا واضحًا، وهو يتأمل كتاب رايسا الذي نشرته جريدة ”الشرق الأوسط“ بالعربية.

حين اهديته الكتاب، جعل يتأمله باهتمام، وتأمل صوره وقال إن "رايسا ستكون مسرورة جدا بهذا الكتاب، انه شيء ممتاز.. انظر إلى صورتها هنا انها تبدو صغيرة جدًا في هذه الصورة بالنسبة إليّ. لقد التقطنا هذه الصورة قبل الزواج.

صورة مع رايسا

قلت: إن ذوقك جميل في رايسا"، ثم يتأمل الصور وينتقل إلى صورة اخرى "التقطت هذه الصورة قبل التخرج في الجامعة، وهذه في سيبيريا.. وهذه أخرى في موسكو وتلك صورة اخرى في القوقاز.. هذه الصور تعيدني إلى الذكريات، لاسيما وانا اعكف على تأليف مذكراتي".

ثم يتنهد قائلًا: ”هكذا تتغير شؤون الحياة بسرعة وعلينا ان نكون مستعدين لأية احتمالات وانعطافات“.

حين سألته عن الأحفاد قال: حالهم الآن جيدة. إن هذا الشيء الجيد الوحيد حسب ما أعتقد نظرًا لأنهم لا يدركون بعد ماذا يجري اليوم.

عبارة لا تخلو من المرارة قالها صانع ”البيريسترويكا“ وهي تجسد كما يبدو رفضه لم يجري حوله، والعلاقة المتوترة مع بوريس يلتسين رئيس جمهورية روسيا التي بلغت ذروتها، في التهديد الذي وجهه له معسكر يلتسن بضرورة ان يلتزم الصمت ولا يتدخل في السياسة!

كيف لا يتدخل في السياسة!؟

"لقد استنشق المجتمع هواء الحرية ولم يعد بإمكان أي كائن أن يسلبه هذه الفرصة"، كما يقول هو.

القصة ليست قصة الكائن، بل قصة ذروة الصراع لدى عودة غورباتشوف من زيارته لأميركا، وقبلها لألمانيا واليابان. وقتها لقي استقبالًا تاريخيًا مدهشًا. كول يحتفي به كما لو كان آتيًا للتو من الكريملين. ريجغان وشولتز يرأسان لجنة الاعداد لزيارته، ثم يستقبله جورج بوش استقبال الرؤساء ويحصل على ثلاثة ملايين دولار. بينما يستعد يلتسين لزيارة اميركا ومعسكره على أعصابه. يلتسين على حق في قلقه، من أن يعامل معاملة لا تصل إلى مستوى ما عومل به غورباتشوف.

العلاقة مع يلتسين علاقة معقدة سماها البعض، "علاقة الحب والكراهية".

في نفس اليوم، كان الرئيس السابق يستمع إلى احد مستشاريه وهو يبلغه بقرار يلتسين سحب السيارة ”الزيل“ السوداء، وفيها التلفون الخاص، واستبدال سيارة عادية بها.

القريبون منه يقولون إنه تلقى الخبر بكثير من السخرية. وبالابتسام، لم يفقد حيويته ولا روحه المرحة. ولو كان هذا الأمر قبل ذهابه إلى أميركا لربما تغير الوضع، ولا شك أن زيارته لأميركا أعطته دفعة معنوية جديدية. ما تزال واشنطن بكل ما فيها من نجاحات واخفاقات، ومظاهر جميلة وباهتة وتافهة تجذب اهتمام الروس. لها قدرة عجيبة خاصة على التأثير عليهم. فمنها وإليها يتطلعون إلى العون في حل مشاكلهم المعقدة.

حين انتقد الرئيس السابق خلفه كن يعرف مثلًا أن الرأي العام الروسي يتحدث عن الحاجة إلى مزيد من التغيير في نهج الدولة الحالية. فمن واقع استطلاع للرأي جرى أخيرًا عبر 47٪ من الذين وجهت لهم أسئلة عن عدم ثقتهم بالزعامة الحالية للبلاد قال 35٪ إن الحاجة تدعو إلى برنامج إصلاح جذري جديد للسياسة الاقتصادية الراهنة.

علاقة متوترة مع يلتسين
من هنا كان الحديث .. لا بد ان يبدأ بالموضوع الساخن .. يلتسين وغورباتشوف 

ما هو نوع العلاقة، وكيف تمر الآن وإلى أين ستصل؟

قال الرئيس السابق: أظن أنني حاولت التحدث عن هذ في جريدة ”كومسومولسكايا برافدا“ وفي حديثي الذي كان ردًا فعليًا على البيان الصادر عن المكتب الصحافي لرئيس روسيا.

أعتقد أن الأمر يمكن أن يكون بمثابة انعدام المسؤولية من جانبي ومن جانبه إذا وضعنا العلاقة الشخصية في المرتبة الأولى. إن الشيء الأساسي الآن هو مواصلة نهج التحولات الديمقراطية والإصلاح. ويجب أن يخضع كل شيء إلى هذا الامر لذلك فإن ما قلته لجريدة ”كومسومولسكايا برافدا“ وما قلته قبل هذا لم يتضمن جديدًا كثيرًا، كان كلامي مركزًا في ان قلت آنذاك.

الوضع أقرب إلى الكارثة. الكولخوزات والسوفخوزات في مقاطعة ستافروبول (التي كان يحكمها غورباتشوف حتى نهاية السبعينات) طالما وجدت في خزائنها 20 واحيانًا 40 مليون روبل. اما الآن فلا تملك الأموال والسيولة النقدية.

انها لا تستطيع شراء الآلات الزراعية والأسمدة. كيف حدث ذلك في وقت صارت القرية فيه تستطيع طلب اي سعر لمنتجاتها الغذائية؟ المسألة تعود ورغمًا عن حاجة الناس إلى الطعام، إلى ان صناعة المواد الغذائية والصناعات التحويلية لم تعد تأخذ الالبان واللحوم بالاسعار التي تطلبها الكولخوزات والسوفخوزات. لماذا؟ لأن المواطن أصبح عاجزًا عن شراء السلع بالاسعار الجديدة. هذه ما اسفر عنه تحرير الاسعار بالكامل في الصناعة. فماذا تفعل القرية؟ انها تقوم بتقليص الانتاج وإلا ستمنى بخسائر متواصلة.

أليس من المضحك ما يحدث الآن؟ ان تدخل الدولة في القطاع الزراعي امر موجود في كل مكان ولا بد من معالجة المسألة الآن. وانا اتوقع حدوث عواقب وخيمة جدًا في المجالين الاقتصادي والسياسي. ان الحكومة الحالية تعتمد اسلوبًا لا يعتمد على المواقف المنهجية، وتحديد الأوليات. بل تتخذ القرارات المرتجلة لغرض اثارة الضجة والمظهر.

ومن الواجب تسيير الامور والعمل وفق التكتيك الذي من شأنه ان يحرك التحولات ولا يعرضها إلى الخطر. والفكرة الرئيسية التي اريد ايرادها وايصالها عبر احاديثي إلى الرئيس والحكومة هي ابداء العناية بكافة الحركات الديمقراطية بغية توحيدها لما فيه مصلحة نجاح الاصلاحات.

لقد اعربت في حديثي إلى ”كومسومولسكايا برافدا“ عن قلقي الشديد ولست استطيع حتى ان اقول ان الحكومة ستتمكن من تعديل الامور الآن. فقد تعطل بذر محاصيل كثيرة. وبدأ الفلاحون يتخلصون من الماشية حيث فقدوا الثقة فيما يجري الآن. هذه مسألة قومية لا بد من حلها وإلا فسينهار كل شيء.

عمومًا، هناك احاديث كثيرة حول النهج الامثل. وإذا طرحنا مهمة تحديد الاسعار واشاعة الاستقرار المالي فيمكن القول إن هذا الطرح صحيح في حد ذاته. لكن المهمة تعتبر مهمة مرحلية. لا بد من توفير المقدمات من اجل إشاعة الاستقرار في الوضع المالي وتحرير الاسعار.

انني الآن لا أرى منهجًا شاملا يمكن ان يولد القناعة بأن تعديلات ملموسة تجري وان كنت اقول انهم فعلوا بعض الاشياء.

ردود فعل يلتسين
هل تخشى اذًا ان يؤدي فعل الرئيس يلتسين وقضية خلافكما، وكذلك المعارضة المتنامية، إلى اتخاذ المزيد من الدكتاتورية؟

ذهب ذهني إلى قوله: ” هناك حديث يدور جول انهيار دولتنا، الذي ينهار ليس الدولة، فبعد ان استغرق تشكيلها عدة قرون حتى الآن حية وستظل كذلك. ولكن الذي ينهار هو نظام السيطرة فيها وهو نطام صار يناقض الطلب المتزايد على النمو والتطور والديمقراطية“.

أجاب الرئيس غورباتشوف على السؤال قائلًا: أنا لا استخلص مثل هذا الاستنتاج الآن ولا استطيع قول ذلك، ولا تتوفر لدي المسوغات واعتقد.. وأمل في ألا يتراجع يلتسين في هذه المرحلة الصعبة عن الطابع الديمقراطي للتحولات. ويجب ان تعمل السلطة التنفيذية بفعالية وهو رأي. لكن في الوقت نفسه لا يجوز السماح بالانزلاق إلى الدكتاتورية. هذا بالذات ما قلته، والذي من شأنه اما يكون فما فأوان يحول دون ارتكاب يلتسين والحكومة الاخطاء. وان يعطي الفرصة للعمل بفعالية اكبر اعتمادًا على هذا الدعم. يجب توحيد القوى الاصلاحية والتعاون معها والمضي قدما بالاصلاحات. واعتقد ان يلتسين يدرك هذا. ويدرك انه اذا ما تخلى فجأة عن الطريق الديمقراطي تحت ضغط الاحداث وهي عصيبة سيكون هذا هزيمة.. ولن تكون هزيمته هو فقط، بل وهزيمة ذلك النهج الذي اتبعناه وما نزال ضمن اطال البيريستويكا.

شعور بالأسف
ها الآن وقد صار الاتحاد السوفياتي، في عالم التاريخ وانت آخر رئيس له. الا تشعر بالأسف وانت تتطلع إلى الوراء؟

بلا ريب أنا ما زلت عند موقفي. فالعالم الذي كان يسمى روسيا او الاتحاد السوفياتي كان بحاجة إلى اصلاحات.. اصلاحات على نطاق الدولة، مع الاخذ في الاعتبار تشكيل الامم والدول ذات السيادة.. لكنها في الوقت ذاته كانت بحاجة، وفقًا لمنطق الزمن وتشكيل الدول على مدى القرون العشرة الاخيرة. كانت في حاجة إلى التعاون والتنسيق المتبادل. وهذا يعني انه كان ولا بد من اقامة اتحاد جديد. وقد قلت فيما سبق ان رفض اقامة اتحاد الدول بذات السيادة يمكن ان يكلف ثمنًا غاليًا.. يمكن ان يفضي بنا إلى نزاع مدني واسع النطاق. والشيء الاساسي يمكن ان نصبح في وضع النزاعات الداخلية.. والحرب الاهلية. هناك قضايا تبقى بلا طرح حين تكون الدولة واحدة. لكنها حين تتفرق.. إلى البؤر.. إلى المساكن القومية فانها تبرز إلى السطح ويأخذ الجميع في طرح الدعاوى والشتائم ويعودون إلى تاريخ مئات القرون. ناهيك عن بضع عقود من السنين. وكنت قد اعربت عن مخاوفي هذه فيما سبق، وقد تأكدت بشكل اسرع مما كنت اظن. ما هو اعتقادي الآن؟ اعتقد ان طرح شعار بعث.. اعادة اتحاد الدول ذات السيادة.. شيء غير واقعي. اظن ان من الواجب الآن دعم تشكيل وصياغة الدول ذات السيادة، والمساعدة على إيجاد اشكال جديدة للتعاون فيما بينها. اما عن ان هذا التعاون ضروري.. فإن الجميع يدركون ذلك. لذا فأنني راض جدًا عن انه تتم في روسيا عملية قيام الفيدرالية الروسية ولو ان هذا يتم ببطء وبعسر وعلى نحو لا يتناسب مع ما كنا نريده. واذا ما تحقق النجاح في تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية فسيتسم هذا بأهمية بالغة بالنسبة للمنظومة كلها. وبحكم ذلك الدور العظيم الذي تمارسه روسيا في هذه المنطقة من العالم، عندئذ العمليات التوحيدية ستمضي بشكل أسرع. ولهذا تترائ الآن علامات تدل على ضرورة إدراك السياسيين للتعاون. وليكن هذه باشكال جديدة لكن لا بد من التعاون والتعاضد.. ويتخذ السياسيون احيانًا خطوات، كما هي الحال في اوكرانيا حين جرى تحت ضغوط القوى الانفصالية. او بالعكس كرد فعل على اعمال وخطوات روسيا. الابتعاد عن المنظومة او رفض الانضمام اليها بشكل استعراضي. لكنني اعتقد ان هذا يتسم بطابع تكتيكي اكثر من اي شيء آخر، كما يمثل رد فعل على الوضع الراهن. اما المصالح الجذرية العميقة فهي تملي عمومًا ان تصبو جميع هذه الدول، الذوات السابقة في الاتحاد السوفياتي، إلى الحفاظ على المنظومة. وبودي كثيرًا ان يستقر الوضع في روسيا، بسرعة، وعندئذ ستمضي الامور بشكل اسرع.

هل يمكن ان يكون ديغولًا آخر!
انت الآن سيادة الرئيس خارج السلطة.. والجميع يتحدث عن عودتك بشكل قوي إلى العمل السياسي. الا تتوقع ان يستدعيك الشعب الروسي مثلما فعل الشعب الفرنسي مع ديغول.. أي هل ترى ان مستقبلك السياسي سوف يكون مشابهًا له؟

طرحت عليه هذا السؤال وتذكرت مقالًا لصحافي روسي يقول ان تجربة شيفرنادزه في العودة إلى جورجيا بعد خسارة موقفه في موسكو تعطي الضوء أمام غورباتشوف!

قال الرئيس الذي كان جالسًا على طاولة احتلها واثنان من مساعديه، وبجانبي الزميل سامي عمارة الذي يقوم بالترجمة: "لا توجد مثل هذه الخطط. وتتضمن خططي ما اقوم به الآن، اني استغل شخصيًا خبرتي وامكانياتي وعلاقاتي التي نشأت مع رجال السياسة في العالم طوال تلك الاعوام السابقة في العمل على اجراء تغيير نحو الافضل في العالم. هذا فيما يتعلق بي شخصيًا. اما بصدد نشاطاتي الاخرى التي لا تقل اهمية فتشمل بناء وتكوين المنظمة (الصندوق) . وانا اعير لها اهتمامًا كبيرًا لان السياسة تقوم على اساس التحليل والاستقراء. ويجب توحيد جميع القدرات الذهنية في جيمع البلدان من اجل ايجاد الاجوبة وعرض السيناريوهات امام رجال السياسة لكي يختاروا منها ما يريدون.. من اجل اتخاذ القرارات. وبجب إبعاد الاخطار عن الصعيد السياسي بغية الا ترتكب اخطاء كبيرة في كافة الدول. وانا نفسي اعرف من خبرتي المرة ما يعنيه ذلك.. أعرف معني ارتكاب الاخطاء لدى اتخاذ القرارات السياسية".

كيف تنصح لو طلب منكم تقديم المشورة إلى البلدان النامية؟

أعتقد ان من الواجب البحث معًا وباصرار عن اشكال جديدة لاقامة النظام العالمي الجديد. وأعتقد ان هناك اصعدة ومراحل متباينة للقضايا. اولًأ وكأساس، فإن هذه البلدان نفسها لا تحل مشاكلها. وأعتقد ان ذلك يمثل مسؤولية مشتركة وواجبًا مشتركًا على جميع الدول وعلى كافة الحضارات بعد ذلك من الواجب الانطلاق مع السبعة الكبار، على مستوى هيئة الامم المتحدة وغيرها من ادوات وأليات التعاون الدولي التي من شأنها ان تقوم بتدويل جميع القضايا المذكورة، وانت تعطي الفرصة لكي تقرر سبل تطور الحضارة إلى المجتمع الدولي باسره وليس إلى السبعة الكبار فقط. ولعل خير أداة لذلك هي هيئة الامم المتحدة . لكنني أعتقد ان الهيئة الدولية نفسها بحاجة إلى انظمة اقليمية للتعاون في مجال الاقتصاد.. والامن.. وحماية البيئة. ولذا فأنني ادعو إلى تكوين مثل هذه الانظمة في المناطق الكبيرة من العالم. واظن ان مؤتمر السلام في الشرق الأوسط يجب ان يساعد على استحداث مثل هذه المنظومة في نهاية الامر. وليس منظومة امن فقط، بل منظومة تعاون ايضًا، نظرًا لان الامن يكون غير مضمون لدى غياب التعاون. وثمة قضايا اخرى اقرب مثل تصفية بؤر الأزمات في شتى اصقاع العالم. لهذا فإنني اؤيد كثيرًا الجهود المبذولة ضمن اطر مؤتمر السلام الدولي. ولا بد من ابداء الصبر والتفاهم بين الطرفين.

أما في ما يتعلق بيوغوسلافيا فان التعاون، في ما يخص هذه البلدان، ضمن أطر الامن الدولي وفي اوروبا يعتبر شيئًا ضروريًا اليوم. لكن تجرية يوغوسلافيا تعلمنا بأن من الواجب تفادي البلبلة.. ولا يجوز مقابلة طموحات جزء ما بالكل الشامل. ولا بد من ايجاد حلول عضوية. ويجب علي القول صراحة ان الخطوات التي اتسمت بالتسرع من جانب بعض البلدان الغربية في الاعتراف بسلوفينيا وكراوتيا قد زادت من وتيرة هذه العملية وأوصلتها إلى حد التطرف. ولذا فانني لا اوفق الذين يريدون ألان القاء كل اللوم على صربيا وحدها فذلك يعتبر فهما للمسألة على نحو يتسم بالسذاجة جدًا. ويجب هنا تحليل الوضع كله تحليلًا موضوعيًا، وإعطاء كل طرف حقه. واذا ما استمر على هذا الوضع تحليلنا لاسباب النزاعات التي قادت إلى انهيار هذه البلدان وأودت بها إلى انفراط عقدها، فأننا لن نصل إلى اية استنتاجات صائبة من هذه التجربة. إذن يجب ان نحلل ونخدم الحقيقة بلا هوادة. ان التحليل الموضوعي فقط كفيل بمنحنا المعرفة. وإلا فإن تجربة يوغوسلافيا المريرة لن تعلمنا شيئًا. وبذا، من الواجب تصفية الوضع المحتدم. وأعتقد ان من الواجب طرح المشاكل بشكل مغاير في ظل الاوضاع الجديدة، والعودة إلى موضوع العلاقات بين الشمال والجنوب، بين البلدان الفقيرة والغنية، واعود إلى فكرتي الاساسية فأقول لا مناص لنا من اضفاء ديناميكية جديدة وفعالية جديدة، إلى جميع أليات هيئة الامم المتحدة. ورفد هذه المنظمة بتراكيب وأجهزة جديدة. ان تعاون هيئة الأمم المتحدة مع المنظمات الاقليمية سيضمن لنا الطريقة الصعبة لكن الضرورية لتنظيم العلاقات. وفي الواقع اننا بلغنا هذه المرحلة، وليس هذه من باب الخيال، بل هو واقع قائم. ومن المهم ادراك ذلك ومعرفة كيفية العمل. على اي حال فأن على كل من يعتزم ممارسة الاكراه وتوجيه الاوامر او استغلال غيره والاثراء على حساب الآخرين ان يعرف بان هذه غير مقبول. ووسائل الاكراه لا تتمثل بالاساليب العسكرية والسياسية فقط بل هناك الضغوط الاقتصادية ايضًا. وحتى ممارسة الضغوط باستغلال التكنولوجيا.

ستقوم بزيار لإسرائيل. ما الذي ستقوله للإسرائيليين؟

أنتم تعلمون انني ذاهب ليس بدعوة رسمية بل بدعوة من مركزين علميين. ولكن اظن ان اتصالات ما ستجري هناك مع ممثلي الدوائر الحكومية. وانا أعتقد انه يوجد لدي من يمكن ان اقوله. واذا ما سألوني في إسرائيل ـ وما دمتم انتم تسألوني - فإنني اقول لكم ان بمقدور إسرائيل ان تمارس دورًا هامًا في عملية التحرك نحو السلام. وبلوغ نتيجة ايجابية للمؤتمر اذا ما استمر بوتيرة اسرع ودارت اعماله بديناميكية اكثر. وانا على ثقة انه بدون الخطوات المتقابلة والتفاهم المتبادل وبدون الاعتراف الصريح والعادل بالحقوق.. حقوق السياسة لكل دولة.. لا يمكن التقدم. هناك امور يجب ان يعالجها المؤتمر.. وأعتقد انه بالرغم من جميع الصعوبات في المرحلة الاولية للمؤتمر فان العملية ماضية في طريقها. وعموما فانني ارحب بالمواقف البناءة لهذا الطرف او ذاك. فلا يمكن ايجاد حل للازمة بدون الحلول الوسط. لكن يجب ان يضمن امن الاقطار العربية ودولة إسرائيل وان تحل القضية الفلسطينية، لا بد من تصفية كل المشاكل المتراكمة. لا بد من المضي في هذا الاتجاه. ولكم ان تعلموا ان موقفي لا يتغير ازاء ذلك سواء في غضون اسبوع او شهر. وانا طبعًا لا اشارك في المفاوضات، لكن مواقفي الأولية المبدئية وتصوراتي حول كيف يجب ان تتم هذه العملية، تعطيني الاساس للاعراب عن هذه الفكرة على هذا النحو.

حرب الخليج

لنعد سيادة الرئيس إلى الوراء قليلًا ونتحدث عن ازمة الخليج.. ما هو القرار الذي لو اتخذ في حرب الخليج لما حدثت الحرب؟

انت تريد اعادتي إلى ما قبل النزاع؟؟

نعم..

ان التاريخ لا يحب الاحكام الافتراضية. فالواقعة وقعت. وأعتقد ان الدرس الصائب يتمثل في ما يلي:

أولًا: تم تدويل الحادث بأسره. وهذا صحيح. وأعتقد ان من الصائب ايضًا القول ان المعتدي لقي ما يستحقه. كما تمت إدانته سياسيًا. ومن الصائب كذلك ان مجلس الامن الدولي حال دون تدمير الدولة العراقية وقتل ابناء الشعب العراقي. فهذا شيء غير مقبول، ولو انني بصفتي زعيمًا للاتحاد السوفياتي اتخذت موقف ادانة العدوان والتصدي له بحزم. وأخيرًا، لا بد من تكوين منظومة للأمن الجماعي. ترى انني مستعد للتطلع إلى المستقبل اكثر من التوغل في اعماق الماضي. لا سيما وان اشياءً كثيرة تراكمت في الشرق الأوسط.. في هذه الازمة، مما يستوجب على المؤرخين العمل فترة طويلة في استقصاء جوانبها.

النظام الرأسمالي والشيوعي
في خطابك باميركا انتقدت النظام الرأسمالي، وقبله انتقدت النظام الشيوعي. فهل يوجد لديك بديل تبتغي تحقيقه؟

طبعًا تفسيركم لخطابي غير دقيق. ويتعين عليك بهذا الصدد ان تطرح سؤالًا ملموسًا. فما الذي تريد استيضاحه وسماعه مني. انا لا اريد الآن الافاضة في الحديث عن الرأسمالية والاشتراكية. على اي حال بودي القول، بمناسبة طرحك السؤال، التأكيد على احترام حق كل شعب في تقرير المصير، ودع الشعب يدبر اموره ويختار شكل نظام حكمه، واقامة العلاقات الاقتصادية والسياسية، فهذه من حقوق الانسان. وحين يتوحد الشعب دعه يتخذ ويعلن خياره. فهذا من صلاحياته. هذا اولًا، من وجهة النظر الفلسفية. والآن، لنتحدث عن الامر من وجهة النظر التطبيقية. انا قلت اننا نقف على عتبة القرن الحادي والعشرين. وأعتقد ان خيارنا - والمقصود بالأمر هو الشعوب ـ لن يكون في صالح الرأسمالية او الاشتراكية، بل انطلاقاً من نالتفكير والحضارة الجديدة. وهذه الحضارة الجديدة ستستوعب كل ما هو ايجابي. ثقافتنا ابناء حضارة واحدة. وليس كاعداء وخصوم.. محتملين. ان فكرتي تتلخص في هذا التفسير. وقد حللت الموديل الستاليني، نظام ستالين، حول تنظيم المجتمع فوجدته قد اثبت فشله بالكامل، وقاد المجتمع إلى طريق مسدود. وانا اشير إلى ان بعض البلدان الرأسمالية المتقدمة قد حققت نتائج ملموسة في الميدان الاجتماعي.. حتى تتوفر لديها الكثير مما نسميه بالعناصر الاشتراكية. ومع ذلك فانا بعيد تمامًا عن الاتفاق مع اي امرئ حول ان يكون النظام الرأسمالي بمثابة المثل الاعلى، ولا مجال للحركة أبعد، انا اعرف. وانا شخص لدي معلومات واقعية جدا عما يدور حتى في اكثر البلدان الرأسمالية تطورًا. ناهيك عن الحديث عن غيرها. لكن المسألة لا تكمن في هذا، فالمنطق.. المنطق التاريخي.. افضى بنا إلى ضرورة التفكير في الحضارة الجديدة استنادًا إلى مبادئ جديدة إلى المبادئ التي يجب ان تبنى عليها. ان كل شيء مترابط في هذا العالم.. التعاون والأمن المشترك، والأمن المتكافئ، والاعتراف بالمساواة وحرية الاختيار، وتبادل المصالح. والمزيد من العدالة الاجتماعية، سواء في داخل البلاد او بينها او في العلاقات الدولية. والعناية بالبلدان الفقيرة ودعمها، ادراكًا منا بأن هذا جزء لا يتجزأ من جسد واحد. فإذا ما ساءت حال عضو فيه اصاب المرض الجسد كله. فهذا الترابط المتبادل بين الشعوب والبلدان يعتبر بمثابة المفتاح إلى المدخل، والسبيل إلى بناء علاقات دولية جديدة. وأعتقد ان هذا بات مفهومًا الآن، فمرحلة الانتقال صعبة، ولا تخلو من مخاطر، كاجراء خيارات جديدة. هل نرجع القهقري.. إلى سباق التسلح والمجابه، من شأن هذا ان يكون موقفًا جبانًا وخاطئًا من الناحية الاستراتيجية.

المسلمون والاتحاد السوفياتي
سيادة الرئيس هل تعتقد بوجود صدام بين المسلمين وغير المسلمين في روسيا؟

لا أعتقد، ما الذي تقصده؟

لنأخذ بما حدث في يوغوسلافيا..

لا أعتقد، والحق اذا ما وجدت خلافات وإساءات وادعاءات متبادلة ظهرت هنا وهناك فإنها تعزى على الاكثر إلى ان بعض المناطق كانت تتطور بصورة غير متجانسة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. لكن من الناحية الانسانية كان يسودها الوئام والتسامح الديني.. وازاء تقاليد بعضهم البعض. هذه الصفة كانت دومًا تميز البلاد. واذا اردتم القول ان بعض الخطوات في عهد ستالين قد ادت إلى احتدام العلاقات مع بعض الشعوب، ومع ذلك فعلى الصعيد الشعبي ثمة مستوى عال من التسامح والوئام. لكن المشكلة تكمن في التشدد. أما الحديث عن الاصولية فهو غير موجود.
هناك محاولات متفرقة للقيام بشيء ما، لكن الخطر غير موجود. واظن انه يتعين علينا رؤية ذلك. وعلى الاكثر ان مثل هذه المحاولات ستجري في جمهوريات آسيا الوسطى. وهناك ايضًا توجهات قوية نحو التعاون مع روسيا. وخير مثال على ذلك اوزبكستان وكازاخستان.. كما ان تركمنستان على عتبة التوقيع على اتفاقيات حول العلاقات المتعددة الجوانب مع روسيا. وأعتقد ان اشياءً ايجابية كثيرة تراكمات بين روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى في اعوام العيش معًا. انا اعرف مواقف المملكة العربية السعودية، كما اظن، فيه تتعاطف مع التحولات الديمقراطية، وطبعا.. مع حرية تطور جميع الاديان.. والحركات.. والقيم الدينية.. والثقافة. وأعتقد ان هذا الموقف حكيم جدا. لذلك اريد الاشارة إلى اننا نعرف موقف السعودية هذا. وأعتقد ان هذا احد العوامل التي تساعد على اجراء عمليات التوحد في جمهوريات آسيا الوسطى.

زيارة العالم العربي

هناك سبب أخر شعر فيه الرئيس غورباتشوف بضرورة التحادث لـلشرق الاوسط، والعرب بصفة خاصة، وهو انه سيكون في إسرائيل بعد ايام لذلك كان حريصًا على القول انه لم يذهب إلى إسرائيل بدعوة رسمية بل بدعوة شخصية من معهدين علميين يتسلم منهما جائزة له.

وتأكد لي انه سيسافر إلى السعودية ومصر وبعض الدول العربية في الخريف حاملًا معه مشروع سلام يرى انه مهم.

وحين استقبلني بدأ حديثه قائلًا: "انني اعتزم القيام بجولة في عدد من بلدان الشرق الأوسط سيبدأها بزيارة القاهرة. اذا تم ذلك فأنني يمكن ان أعتبر هذا تحقيقًا لواحدة من اهم امنياتي. لقد كنت على اتصال مكثف مع السعودية ومصر على وجه الخصوص خلال السنوات الاخيرة التي كنت فيها رئيس للبلاد. وعمومًا اقول ان الاتصالات التي جرت بيننا على مستوى الحكومات اسفرت عن فعاليات مؤثرة جدًا. وقد جرى ذلك على وجه التحديد في ذلك الوقت العصيب، في اكثر الفترات حرجًا، ابان الحرب في منطقة الخليج وبعد ذلك. وانا أعتقد ان العلاقات كانت ودية.. حارة.. الآن لست اعرف ما اذا كانت هذه العلاقات اصابها الفتور، يصعب علي الحكم على ذلك. لكنني يمكن ان اعرب عن رأيي ازاء ضرورة ان تظل هذه العلاقات علاقات حارة، وليس فقط كذلك بل يجب ان تتطور إلى ما هو ابعد. وأظن ان في ذلك مصلحة متبادلة كبيرة. سواء على مستوى ثنائي.. أو بين روسيا والبلدان العربية عمومًا. واذا اخذنا في الاعتبار ان من الواجب عمل الكثير في هذا المجال فأن ذلك يعني ايضًا التأثير على كل السياسة العالمية بوجه عام. بشكل ايجابي وازاء ذلك فأن وجهة نظري لم تتغير. ربما الآن تتغير الاوضاع بسبب التحولات الكبرى في روسيا.. وبسبب ظهور كيان آخر بدلًا من الاتحاد السوفياتي، هل سيبقى الكومنولث ام ستظهر مؤسسات جديدة؟ ام ستظهر تحالفات سياسية او دفاعية او سياسية دفاعية اقتصادية.. عمومًا الحياة ستكشف عن الكثير.. ورغمًا عن ذلك فأنني أعتقد ان هذه العمليات والتحولات التي تجري وأن تباطأت وتيرتها وبعض ديناميكيتها يجب ان لا تثير المخاوف لا في مصر ولا في المملكة العربية السعودية. فالعلاقات التقليدية كبيرة جدًأ. العلاقات التي تربط بين بلادنا والبلدان العربية".

قلت للرئيس غورباتشوف.. قطعًا لا احد ينسى موقفكم في حرب الخليج، وكسعوديين لا نزال نتذكر انه في عهد الملك فهد وفي عهدكم تمت اعادة العلاقات بين البلدين!

لا بد لي من القول اننا مع الأسف لم نحقق النوايا في لقاء خادم الحرمين الشريفين الذي اكن له اعجابًا خاصًا. ورغم ذلك كنا على الدوام في اتصال دائم وتبادل الرسائل وعالجنا الامور بكل نشاط، ومع هذا فأعتقد ان اللقاء سيتم وليكن هذا بصفة اخرى وفي ظروف متباينة. ولذا ارجو عبر هذه الصحيفة ان تبلغوا خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز اطيب التمنيات، وانني اتطلع إلى لقائه. لقد التقيت بمسؤولين سعوديين من بينهم ابن اخ الملك الأمير سعود الفيصل مرتين او ثلاث مرات وربما اكثر. وكان شخصًا لطيفًا.

خرجت والزميل سامي عماره من عند الرئيس السابق.. تلقفت شوارع موسكو الفسيحة.. لأول مرة أرى موسكو، بكل ما حملته من أحداث ومخاضات وما تعيشه من عقد ومشاكل، تفتر عن ابتسامة عريضة، كأن الصيف يلقي عليها من صحوه اللطيف ما يكفي لكي تبتسم، بل تتعرى كاشفة عن كل مفاتنها قطعة قطعة كالنساء في الصيف الجميل. 

وهل بقي شيء لموسكو لكي تخلعه!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار