يسعى النظام الإيراني لإيهام العالم وشركائه المؤطرين ضمن إطار سياسة الإسترضاء بعد المتغيرات السياسية الحاصلة في الموقف الأوربي وإيصال رسالة مفادهما بأن النظام مستقر وأن الثورة الإيرانية ما هي إلا مجرد حالة تمرد عابرة لإنفصاليين وتم إخمادها وأنتهى الأمر.
والحقيقة هي أن الأمور ليست كما يصورها نظام الملالي للعالم الخارجي، وإنما هي محاولات تركيع للشعب باستخدام القوة العسكرية الإبادية المفرطة في هجومات ليلية خاطفة يتم قطع الكهرباء أثنائها عن كافة المناطق المستهدفة، وتستمر تلك الهجومات الإبادية حتى وقت مبكر من نهار اليوم التالي لتحل محل القوة العسكرية الغازية قوات قمعية أخرى وبذلك تستمر حلقات القمع والطغيان وهذا ما حدث بالفعل فقد كان القصف المكثف الذي قامت بهه ميليشا حرس النظام الإيراني لـ كردستان العراق تمهيدا وغطاءا لما ستمارسه من جرائم إبادية واعتقالات واسعة النطاق بحق الثوار والمتظاهرين في محافظة آذربيجان الغربية وكرمانشاه وغيرها.
والحقيقة الذي يجب أن يعرفها ويتفاعل معها العالم الحر اليوم هي أن النظام الإيراني يبيد شعبه ويقتل النساء والأطفال والشباب بوحشية بربرية، ويعيثون الفساد في ممتلكات الشعب ويدمرون المحال التجارية والبيوت ويستخدمون مدافعً رشاشةً إبادية عرفناها بإسم دوشكا في الشوارع العامة والمناطق السكنية والأزقة، وهذه الأنواع من الأسلحة والأعتدة (الحربية) لا تستخدم إلا في المعارك الحربية أو على الأقل بين قوتين مسلحتين وليس مع مدنيين عزل، ولا تقتصر هذه الأعمال الإبادية على فئة أو منطقة بعينها فقد مارس ذلك مع كل المكونات العرقية ولم يسلم من ظلمه أحدا، وأما هجماته البربرية على كردستان العراق، والمناطق الكردية الإيرانية إنما هي بقصد الإلتفاف على الثورة الإيرانية لوسمها بالخيانة والإنفصالية وقتلها؛ وإذا كان الأمر كما يدعي فلم يصدر عن المواطنين الإيرانيين الأكراد في مناطقهم أية أنشطة أو ممارسات تشير إلى مساعيهم نحو الإنفصال، ولم يكن الأطفال الذين قتلتهم ميليشيا حرس النظام في إيذه بمحافظة خوزستان ومحافظة سيستان وبلوشستان أكرادا ولم يكونوا حتى زوارا بالمناطق الكردية وقُتِلوا هناك بالصدفة ولم يكونوا حملة شعار تمرد أو إنفصال ولم تكن مهسا أميني الكردية التي قتلوها في طهران تحمل مشروع إنفصال زارت به طهران، ولم تكن نيكا شاكرمي الفتاة البرئية أو سارينا إسماعيل وآيلار حقي ويلدا اقا فضلي وطالبات وطلاب الثانويات والجامعات حملة مشاريع إنفصالية، ولا يدركون جميعا سوى أمراً واحداً وهو الصمود والثبات نحو يوم النصر يوم إسقاط علي خامنئي ونظامه، ويدرك هو ونظامه جيدا أن سقوطه بات حتمية مؤكدة وأن الشعب الإيراني لم يعد يطيق وجودهم وأن الحماس وشعلة الإنتفاضة المتقدة في سيستان وبلوشستان وأذربايجان وشيراز وتبريز وخوزستان وكرمانشاه ولرستان وإصفهان والبرز وطهران ومشهد وبندر عباس وغيرها من المحافظات والمدن والكبرى أمر لا تراجع فيه بعد دخول الإنتفاضة شهرها الثالث بهذا الكم من الدماء والتضحيات وعزم النساء والفتيات الإيرانيات على القصاص من هذا النظام وإسقاط أصنامه وسحقها من الوجود.
يعتقد ملالي الجاهلية ونظامهم المتهرىء أن العالم غافل عما يفعلون، أو أن العالم المتراضي والمتهادن معهم يستطيع السكوت هو الآخر إلى ما لا نهاية، فنظامهم المفضوح لن يستر نفسه وقد وصل بهم الضعف والإنهيار إلى حد اقتربوا فيه من أن يأكلوا بعضهم البعض وينشرون غسيلهم القذر علنا دون أدنى حياء، وهو ما يثبت أنهم مجموعة من الوحوش تكالبت على السلطة وفرائسها ولا خيار أمامها سوى افتراس من يدنو من فكرة إبعادهم عن تلك الفرائس، ووصل بهم الضعف والإنهيار إلى الإستعانة بمرتزقة من الأفغان اللاجئين المساكين الذين أنهكهم الجوع والفقر والعوز وانهكتهم البطالة وسوء معاملة النظام لهم فلما فُتِح أمامهم بابا يصورون لهم من خلاله الجنة والنعيم والخلاص عبر غسل أدمغتهم والدفع بهم نحو الإرتزاق في سوريا والعراق والآن في صفوفهم مع ميليشيا الحرس للمشاركة في قتل الإيرانيين الأبرياء، هذا بالإضافة إلى مرتزقة من لبنان والعراق حيث يفيد بعض المواطنين الإيرانيين أنهم سمعوا أصوات مقاتلين عرب بلكنة لبنانية يقاتلون إلى جانب الحرس والشعب اللبناني والعراقي والسوري بريئين براءة تامة من هؤلاء المرتزقة الذين يستحقون ما ينزل بهم من القصاص على يد الشعب الإيراني، وقد حذر الكثيرين من مغبة مشاركة مرتزقة غير إيرانيين في قتل الثوار الإيرانيين العزل..، نعم هذا هو حال النظام الآن إذ عجزت قواه القمعية عن مواجهة الإنتفاضة، وقد صرح القادة القمعيين في سجال لهم داخل مجلس النظام بأنهم فعلوا كل ما في وسعهم وليس لديهم ما يستطيعون فعله، وهنا جاء دور الإعتماد على مرتزقتهم أفغان وباكستانيين وعرب من الذين استخدموهم في قتل الشعبين السوري والعراقي.
لا يحتاج المرء كثيرا في هذه الأيام ليدرك ماهية وطبيعة هذا النظام الدكتاتوري الشوفيني، خاصة بعد التداول اليومي المحدود لبعض أخبار الإنتفاضة وحالات قتل النساء والفتيات والأطفال والمداهمات البربرية لبيوت الثوار ومهاجع طلبة الجامعات، وبعد ما حدث من قصف لكردستان العراق تبعته هجمات اجتياح عسكرية عنيفة لمدن كردية إيرانية نجم عنها العديد من القتلى وعشرات المعتقلين، وبعد موقف المشاهير الإيرانيين المُعلن دعما للإنتفاضة، وكذلك موقف الجماهير الإيرانية في تصفيات كأس العالم، وموقف المنتخب الإيراني الذي لم ينشد النشيد الوطني الإيراني ومهاجمة صحف النظام له وتنكيلها به.
خلاصة القول إن الإنتفاضة الإيرانية إنتفاضةٌ وطنيةٌ موحدة ولا هدف لها الآن سوى إسقاط النظام وصناعة مستقبل مزدهر لجميع المواطنين في إطار وطنٍ خالٍ من الدكتاتورية والتطرف والعنف والكذب على الله والبشر.