باريس: أمرت الشرطة الإيرانية بفتح تحقيق بشأن تسجيل مصوّر يظهر عناصرها يتعرّضون بالضرب المبرح لأحد المتظاهرين، وهو ما اعتبرت مجموعات حقوقية أنه يكشف مدى وحشية الشرطة في قمعها للاحتجاجات التي أثارتها وفاة مهسا أميني.
تشهد إيران احتجاجات منذ ستة أسابيع على خلفية وفاة أميني (22 عاماً) بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران لعدم التزامها قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية. وباتت التظاهرات تعد اليوم أكبر تحد لنظام الجمهورية الإسلامية منذ ثورة العام 1979.
يفيد ناشطون بأن العشرات قتلوا بينما تم توقيف الآلاف في الحملة الأمنية التي تنفّذها قوات الأمن التي اتّهمت بإطلاق النار على المحتجين من مسافة قريبة وضربهم بالهراوات وغير ذلك من الانتهاكات.
فيديو صادم
وأظهر التسجيل المصوّر الذي انتشر في وقت متأخر الثلاثاء على وسائل التواصل الاجتماعي والتقط ليلاً بواسطة هاتف نقال في ما قيل إنه أحد أحياء طهران، حوالى عشرة عناصر شرطة ينهالون بالضرب بالعصي والركل على شخص بينما وقف زملاء لهم على مقربة من دون أن يتدخلوا.
وحاول الشخص تغطية رأسه باستخدام يديه قبل أن يُسمع صوت إطلاق نار لتدهسه بعد ذلك دراجة نارية تابعة للشرطة. وتُرك الرجل ممداً على الأرض من دون حراك.
بعد نشر مقطع فيديو يظهر الضرب الوحشي الذي تعرض له مواطن في حي نازياباد بطهران من قبل عناصر الأمن الإيراني وإطلاق النار المباشر عليه، أعلنت الشرطة أن "هذا السلوك غير مقبول وسيتم التحقيق مع مرتكبيه".#احتجاجات_إيران pic.twitter.com/aQxNasqlGs
— إيران إنترناشيونال-عربي (@IranIntl_Ar) November 2, 2022
وأفادت منظمة العفو الدولية أن "هذا الفيديو الصادم المُرسل من طهران هو تذكير مروّع جديد بأن وحشية قوات الأمن في إيران لا حدود لها".
وأضافت "في ظل أزمة حصانة، يُطلق لهم العنان لضرب المتظاهرين بوحشية وإطلاق النار عليهم"، داعية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى "التحقيق بشكل عاجل في هذه الجرائم".
أعلنت الشرطة الإيرانية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "إرنا" أنه "تم إصدار أمر خاص فوري للتحقيق في التاريخ والمكان المحدد لحصول هذه الواقعة وتحديد المتورطين".
وقال البيان إن الشرطة "لا توافق بتاتًا على العنف والسلوكيات غير التقليدية، وستتعامل مع المتورطين بما يتوافق مع القواعد" المعمول بها.
ضحايا حركة القمع
وبحسب حصيلة جديدة صدرت الأربعاء عن "منظمة حقوق الإنسان في إيران" ومقرها أوسلو، قتل 176 شخصاً في الحملة الأمنية ضد الاحتجاجات التي أثارتها وفاة أميني.
كما قُتل 101 شخص في موجة تظاهرات منفصلة في زاهدان في محافظة سيستان-بلوشستان (جنوب شرق).
وحذّرت منظمة حقوق الإنسان في إيران من أن هذه الأرقام ليست إلا تقديرات للحد الأدنى للضحايا، إذ أن وصول المعلومات يعد بطيئا نظرا لتعطيل السلطات للإنترنت.
تم توقيف آلاف الأشخاص على مستوى البلاد في الحملة الأمنية ضد الاحتجاجات، بحسب ناشطين حقوقيين، بينما لفتت السلطة القضائية في إيران إلى أنه تم توجيه اتهامات لألف شخص على صلة بما تصفها بأنها "أعمال الشغب".
انطلقت في طهران السبت محاكمة خمسة رجال وجّهت إليهم اتهامات قد تحمل عقوبة الإعدام على خلفية الاحتجاجات.
وقال مدير منظمة حقوق الإنسان في إيران محمود أميري مقدم "بدلاً من الموافقة على مطالب الناس القانونية، تنفّذ الجمهورية الإسلامية حملة أمنية بإجراءات قمعية ومحاكمات صورية".
وأضاف أن "التهم والعقوبات تفتقر إلى الصحة القانونية وهدفها الوحيد ارتكاب المزيد من أعمال العنف لبث الخوف في المجتمع".
أفاد أفراد عائلة أميني بأنها توفيت نتيجة تعرّضها لضربة على الرأس عندما كانت قيد الاحتجاز. وشككت السلطات الإيرانية في هذا التفسير لتنفيه لاحقاً في تقرير طبي رسمي.
حركة احتجاجات
وأثارت الاحتجاجات الغضب حيال قواعد اللباس الإسلامية الصارمة المفروضة على المرأة في إيران وهي التي كانت وراء توقيف أميني، لكنها تحوّلت إلى تعبير عن الغضب الشعبي حيال النظام الحاكم منذ سقوط الشاه عام 1979.
وبينما شهدت إيران احتجاجات على مدى العقدين الماضيين، إلا أن الحراك الحالي كسر المحرّمات مراراً ووحد الطبقات الاجتماعية واتسعت رقعته إلى معظم أنحاء البلاد.
وتفاقم التحدي الماثل أمام النظام مع إحياء أربعينية مقتل كل شخص، لتتحول مراسم إحياء أربعينية كل من عشرات القتلى في الحملة الأمنية إلى نقطة انطلاق لتظاهرة جديدة.
وقالت المحللة المتخصصة بالشأن الإيراني لدى "مشروع التهديدات الخطيرة" التابع للمعهد الأميركي لأبحاث السياسة العامة إن "الجنازات ومراسم إحياء الأربعينات للقتلى من المتظاهرين باتت بشكل متزايد قوة الدفع باتّجاه مزيد من الاضطرابات".
وأضافت "يضع ذلك النظام في وضع حرج إذ يواجه خطر التسبب عن غير قصد باستمرارية الحركة الاحتجاجية عبر محاولته قمعها بعنف".