اسلام اباد: بعد ستة أشهر من عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، ما زالت معظم السفارات الأفغانية في أنحاء العالم ترفض تمثيل النظام الجديد، لكنّها تواجه صعوبات مالية كبيرة وضغطا متزايدا من جانب كابول.
لم يوافق أي من السفراء أو القناصل أو رؤساء البعثات الدبلوماسية الذين عيّنهم الرئيس السابق أشرف غني المدعوم من الغرب، على العمل في ظل حكم الجماعة الإسلامية المتشددة التي سيطرت على البلاد في آب/أغسطس الماضي.
لا اعتراف دولي
وحتى الآن، لم يعترف أي بلد بحكومة طالبان رسميا، ويجد المجتمع الدولي صعوبة في تحديد كيفية التعامل مع الحكام الجدد للبلاد فيما يساعدون الأفغان على مواجهة أزمتين اقتصادية وإنسانية.
وقال السفير الأفغاني لدى النروج يوسف غفورزاي "نحن في وضع مؤسف جدا لكن علينا مواصلة العمل في هذه الظروف الصعبة".
وأضاف "ما زالت السفارات تؤدي دورا مهما جدا في ما يتعلق بمحاولة زيادة المساعدات الإنسانية. لكن أيضا في المساعدة في المناقشات السياسية... التي من شأنها تحقيق استقرار الوضع".
عادت المساعدات والاحتياطات النقدية التي جمدتها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بعد سيطرة طالبان على البلاد، إلى التدفق على أفغانستان التي طالما اعتمدت بشكل شبه تام على المانحين.
لكنّ غفورزاي وزملاءه لم يتواصلوا مع النظام الجديد ولم يتقاض الموظفون رواتبهم منذ أشهر.
وستغلق السفارة الأفغانية وقنصلياتها في الولايات المتحدة الأسبوع المقبل.
وأوضح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لوكالة فرانس برس أن "السفارة والقنصليات الافغانية تتعرض لضغوط مالية شديدة. لم يعودوا قادرين على استخدام حساباتهم المصرفية".
وأضاف المسؤول أن السفارة وواشنطن اتخذتا ترتيبات "لإغلاق العمليات بطريقة تحافظ على كل ممتلكات البعثات الدبلوماسية في الولايات المتحدة حتى إمكان استئناف العمليات".
في كل أنحاء العالم، أجبر السفراء الأفغان على الحد من نشاطاتهم بشكل كبير، وخفض فواتير الطاقة وتكاليف الغذاء وحتى الانتقال إلى مواقع أصغر.
كما رفعوا الرسوم القنصلية بهدف توليد عائدات.
سفير أفغانستان في نيودلهي
وقال السفير الأفغاني في نيودلهي فريد ماموندزاي لوكالة فرانس برس إن "السفارة لا تتلقى أي تمويل او مساعدة مالية من كابول".
وأوضح "مع غياب الدعم المالي اللازم واستنفاد الموارد، لم نتمكن من دفع رواتب الموظفين لأشهر واضطررنا لتقليص حجم البعثة والحد من نفقاتها إلى أدنى مستوى".
وليس واضحا حتى متى سيتم الاعتراف بالتأشيرات والشهادات والوثائق الأخرى الصادرة عن السفارات الممانعة، سواء من قبل طالبان أو من المجتمع الدولي.
وما زالت جوازات السفر الجديدة الصادرة في كابول تشير إلى البلاد باسم جمهورية أفغانستان الإسلامية، بدلا من "الإمارة" كما تفضل طالبان، لكن المسؤولين حذروا الصحافيين الأجانب من أن التأشيرات التي تصدر من السفارة في دبي بشكل مستقل قد لا تعتبر صالحة مستقبلا.
في عدد قليل من البلدان الواقعة قرب أفغانستان، ترك بعض السفراء مناصبهم أو طردتهم طالبان التي عيّنت ممثلين جددًا لها، لكن حتى هؤلاء يواجهون صعوبات.
في باكستان، لم تدفع الرواتب منذ أيلول/سبتمبر. وقال مصدر في القنصلية في بيشاور قرب الحدود الأفغانية، إن الموظفين يعيشون على دخل يستحصلون عليه من خلال رسوم التأشيرات وتجديد جوازات السفر وشهادات الزواج.
القنصل الجديد
ويتقاضى القنصل العام الجديد الذي عينته طالبان 50 ألف روبية فقط (280 دولارا) شهريا مقارنة بحوالى خمسة آلاف دولار كان يتقاضاها سلفه، بحسب المصدر نفسه.
وكانت باكستان التي طالما اتُّهمت بدعم قضية طالبان، أول دولة ترسل إليها الحركة الإسلامية ممثلا جديدا لها.
في بكين، قدّم السفير استقالته عندما عيّن دبلوماسي كبير موال لطالبان في السفارة التي يديرها الآن بشكل غير رسمي.
وتمكّنت طالبان أيضا من فرض أفراد موالين لها في كل من أوزبكستان وإيران.
من جانبها، قالت روسيا إنها مستعدة لقبول "اثنين أو ثلاثة" دبلوماسيين جدد، لكنهم لن يحلوا محل السفير الحالي.
ولم ترد طالبان على طلبات وكالة فرانس برس للتعليق، لكنها قالت في السابق إنها تسيطر إلى حد كبير على السفارات الأفغانية.
ومع ذلك، فشلت الحركة في الحصول على اعتماد أحد كبار الناطقين باسمها وهو سهيل شاهين، سفيرا لدى الأمم المتحدة، مع إرجاء الجمعية العامة التصويت على هذه المسألة إلى أجل غير مسمى.
شجار في روما
وفي روما، اضطرت الشرطة الإيطالية للتدخل بعد شجار بين السفير الأفغاني ودبلوماسي مؤيد لطالبان طرد قبل فترة قصيرة وادعى أنه عيّن ليحل مكانه في هذا المنصب.
قال خالد زكريا السفير الأفغاني في روما "كانت هناك تهديدات وترهيب وعنف في بعض بعثاتنا مارسها موظفون سابقون مستاؤون مؤيدون لأيديولوجيا طالبان".
وأضاف "حاولت إدارة طالبان إقناع سفارتنا بالعمل لصالحهم لكنني رفضت".
وتابع "ستبقى إجابتي كما هي حتى تشكيل حكومة تمثيلية شاملة في أفغانستان تكون فيها طالبان جزءا وليس الجزء الوحيد فيها".
وكانت طالبان أرسلت وفودا من كابول إلى أوسلو وجنيف، متجاوزة السفارات المحلية، لإجراء محادثات مع القوى الغربية.
واتّحدت البعثات الدبلوماسية الأفغانية، خصوصا تلك الموجودة في الغرب، في انتقاد طالبان علانية لعدم احترامها حقوق الإنسان قبل زيارة أوسلو في كانون الثاني/يناير.
وقال غفورزاي "إنه وضع صعب. لكننا نعلم أيضا أننا ما زلنا نمثل شعبا عانى الكثير عبر تاريخه".