دبي: قرّرت الإمارات مساء السبت سحب دبلوماسيها من لبنان، وذلك "تضامنا" مع السعودية على خلفية تصريحات لوزير لبناني بشأن حرب اليمن حيث تقود الرياض تحالفا عسكريا، ما يشكل احدى اكبر الازمات بين البلد الغارق في مصاعب اقتصادية ودول الخليج الثرية.
وكانت السعودية استدعت الجمعة سفيرها لدى بيروت وطلبت من السفير اللبناني مغادرة الرياض وقرّرت وقف كل الواردات اللبنانية إليها بسبب تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي.
وقرّرت البحرين القيام بالمثل ثم لحقت بهما الكويت السبت قبل أن تقرّر الإمارات سحب دبلوماسييها.
ضغوط
وتضع هذه التطورات الدبلوماسية المتسارعة الحكومة اللبنانية تحت مزيد من الضغوط في ظل تردي الوضع الاقتصادي والانهيار في سعر صرف العملة المحلية وقلّة المحروقات، وتعرقل خططها للحصول على دعم مالي من الخليج.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان على موقعها "أعلنت دولة الإمارات سحب دبلوماسييها من الجمهورية اللبنانية"، مضيفة انها قررت كذلك "منع المواطنين من السفر إلى جمهورية لبنان".
ونقل البيان عن وزير الدولة خليفة شاهين المرر أن قرار سحب الدبلوماسيين "جاء تضامناً مع المملكة العربية السعودية الشقيقة في ظل النهج غير المقبول من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين تجاه المملكة".
وأشار المرر إلى "استمرارية العمل في القسم القنصلي ومركز التأشيرات في بعثة الدولة لدى بيروت خلال الفترة الحالية".
وكان قرداحي اعتبر في مقابلة تلفزيونية بثت الاثنين وأجريت قبل توليه حقيبة الإعلام في الحكومة اللبنانية في أيلول/سبتمبر، أنّ المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران "يدافعون عن أنفسهم.. في وجه اعتداء خارجي" من السعودية والإمارات.
ويدور نزاع في اليمن بين حكومة يساندها منذ 2015 تحالف عسكري بقيادة السعودية ويضم البحرين والإمارات ودولا أخرى، والمتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة صنعاء منذ 2014.
وأسفر النزاع عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص، بينهم كثير من المدنيين، وفق منظمات إنسانية عدة. وأكدت الأمم المتحدة مرارا أن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم حاليا، فيما تتهم منظمات حقوقية أطراف النزاع كافة بارتكاب "جرائم حرب".
في بيروت، اجتمعت خلية الأزمة الوزارية التي شكلها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الموجود في غلاسكو، وشارك القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى بيروت ريتشارد مايكل في جزء من الاجتماع.
صفحة جديدة
وأفاد وزير التربية عباس الحلبي لصحافيين على الاثر "نقول ان المعالجة قائمة وأملنا كبير باننا سنتوصل في وقت قصير الى استدراك هذا الامر واعادة فتح صفحة جديدة".
وقالت الرئاسة اللبنانية ان الرئيس ميشال عون "تابع المداولات التي طرحت خلال اجتماع" خلية الازمة.
وأضافت أن الرئيس جدد "التأكيد على حرصه على إقامة أفضل وأطيب العلاقات مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، ومأسّسة هذه العلاقات وترسيخها من خلال توقيع الاتفاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، بحيث لا تؤّثر عليها المواقف والآراء التي تصدر عن البعض، وتتسبّب بأزمة بين البلدين لا سيّما وانّ مثل هذا الأمر تكرّر أكثر من مرّة".
وفي القاهرة، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عن قلقه وأسفه للتدهور السريع في العلاقات اللبنانية الخليجية.
وقال في بيان أن لديه "ثقة في حكمة وقدرة الرئيسين عون وميقاتي علي السعي السريع من أجل اتخاذ الخطوات الضرورية التي يمكن ان تضع حدا لتدهور تلك العلاقات".
وأعربت الحكومة اللبنانية في بيان الأربعاء عن "رفضها" تصريحات قرداحي، مشيرة إلى أنه "لا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقا". لكنّ قرداحي رفض "الاعتذار" عن "آرائه الشخصية". وقال "أنا لم أخطئ في حق أحد. ولم أتهجم على أحد. فلم أعتذر؟".
قالت وزارة الخارجية الكويتية في بيانها إنّ قرارها يأتي "نظرا لامعان الجمهورية اللبنانية واستمرارها في التصريحات السلبية وعدم معالجة المواقف المرفوضة والمستهجنة ضد المملكة العربية السعودية الشقيقة وباقي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية".
وتابعت أن القرار يأتي أيضا بسبب "عدم اتخاذ حكومة الجمهورية اللبنانية الإجراءات الكفيلة لردع عمليات التهريب المستمرة والمتزايدة لآفة المخدرات الى الكويت وباقي دول مجلس التعاون".
وفي الأيام الماضية، أعلنت السعودية عن عدة عمليات صد مهرّبي المخدرات تمكّنت خلالها من مصادرة آلاف من حبوب الكبتاغون المخبئة داخل فواكه مستوردة.
وكانت السعودية علقت في نيسان/ابريل الماضي استيراد الفواكه والخضار من لبنان، أو السماح بمرورها على أراضيها، بعد ضبط الجمارك أكثر من 5,3 ملايين حبة كبتاغون مُخبأة ضمن شحنة من الرمان.
وتنشط في لبنان وسوريا المجاورة صناعة مخدّر الكبتاغون الذي يصنّفه مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة بأنّه "أحد أنواع الأمفيتامينات المحفزة"، وهو مزيج من الأمفيتامينات والكافيين ومواد أخرى.
يسود فتور بين السلطات اللبنانية والسعودية منذ سنوات، في ظل اتهام الرياض المسؤولين اللبنانيين بعدم التصدي لحزب الله، بعدما كانت الرياض من أبرز داعمي لبنان سياسيا وماليا، قبل أن يتراجع دعمها تدريجياً، امتعاضاً من دور حزب الله المدعوم من إيران، خصمها الإقليمي الأبرز.
وفي بيانها الجمعة، اعتبرت الخارجية السعودية أن "سيطرة حزب الله الإرهابي على قرار الدولة اللبنانية جعل من لبنان ساحة ومنطلقاً لتنفيذ مشاريع دول لا تضمر الخير للبنان وشعبه".
وبحسب محللين، فإنّ الأزمة الدبلوماسية بين الرياض وبيروت تتخطى تصريحات قرداحي حول الحرب في اليمن، لتعكس صراعاً سعودياً إيرانياً يدفع ثمنه مجدداً لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية.