لا تزال القوى التي تعوّل على الانتقام من الكرد وبعض المكونات السورية، لا سيما العلويون والدروز، على نحو خاص، تراهن على أن العهد الجديد في سوريا سيكون فرصة سانحة للثأر وإقصاء كل من لم يكن ضمن منظومتها الفكرية والطائفية. في مقدمة هؤلاء، تأتي القوى الشوفينية التي لا تتقبل فكرة التعددية، وتسعى إلى استغلال أي ظرف لإعادة إنتاج مظلومياتها، ولكن هذه المرة على حساب الآخرين، وخاصة الكرد الذين ظلوا لعقود هدفًا سهلاً للتحريض والاتهامات الجاهزة.
الكرد هدف الشوفينيين الدائم في سوريا
ولطالما كان الكرد هدفًا رئيساً للحملات العنصرية في سوريا، من قبل مختلف الأنظمة والقوى السياسية التي تناوبت على الحكم، سواء في العهد القديم أو مع تصاعد الحديث عن عهد جديد، حيث يستقوي بهم بعض فلول البعث البائد، إلا أنه رغم التحريض المستمر ضدهم، فإن العهد الجديد لم يصدر عنه حتى الآن أي موقف معادٍ للكرد، على الرغم من الضغوط التي تمارسها جهات إقليمية و تيارات معينة تحاول دفعه إلى اتخاذ خطوات ضدهم، وهوما يسجل له، رغم كل المآخذ على حالة الفلتان والثأر ضد العلويين في الساحل، ولا نقولها هنا دفاعاً عمن تلطخت أيديهم بالدم الذين يجب أن يقدموا للمحاكم، لا أن تتم تصفياتهم ميدانياً، في مجازر مروعة، خارج ساحات المواجهات المسلحة!
إن الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي الجديد، مثل السيد أحمد الشرع، وابن قامشلو، ووزير الخارجية أسعد حسن الشيباني، لم يصدر عنهما أي موقف عدائي تجاه الكرد على نحو خاص، رغم التحريضات وإيغارات الصدور والأضاليل والأكاذيب والافتراءات و التهديدات الصريحة التي يطلقها المحرضون الذين ينتمون إلى تيارات شوفينية مختلفة، تتراوح بين أتباع وأنصار وبقايا ما يسمى الجيش الحر التابع لتركيا وقطر وتنظيم داعش، وأيتام النظام البعثي الصدامي، وذراع أردوغان في الداخل السوري، والذين يحاولون التسلل إلى المشهد السياسي الجديد بغية تصفيته من أي مكون لا يتناسب مع مشاريعهم القومية أو الطائفية.
استغلال العواطف والتحريض على الحرب
إن ما يجري اليوم ليس سوى محاولة لاستغلال العواطف والحروب المفتوحة لشيطنة الكرد، عبر ربطهم بتنظيمات سياسية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، رغم أن هذه التنظيمات نفسها تعرضت لانتقادات متكررة من قِبَل عوام الكرد أنفسهم، لاسيما الكتاب و الناشطون المعارضون لهم، من بينهم، وكانوا من أكثر من وجهوا لها النقد يوميًا، سواء على مستوى الخطاب السياسي أو الممارسات الميدانية.
غير أن التيارات التي تعمل على إذكاء العداء ضد الكرد لا تميز بين أي فصيل سياسي كردي وآخر، وبين أي كردي وآخر، بل ترفض حتى الأحزاب الكردية التقليدية التي تؤمن بالتعايش المشترك ضمن سوريا موحدة، لأن المطلوب ليس التعايش، وإنما القضاء على أي وجود كردي مستقل أو فاعل سياسيًا.
ما بعد التحريض: هل ينجح مشروع الانتقام؟
حتى اللحظة، لم تثمر حملات التحريض هذه عن مواقف رسمية من العهد الجديد تجاه الكرد أو الدروز أو العلويين، ما يعني أن هناك وعياً بضرورة عدم الانجرار وراء هذه الأجندات المشبوهة. لكن يبقى السؤال الأهم: إلى متى يمكن للصوت العقلاني أن يصمد في وجه هذه الموجة من التحريض؟ وهل سيكون العهد الجديد قادرًا على مواجهة هذه التيارات التي تتربص بكل المكونات غير المنتمية إلى مشروعها الإقصائي؟
مؤكد أن مستقبل سوريا لن يكون أفضل إذا ما استمر خطاب الانتقام والتحريض، بل على العكس، فإن استقرار البلاد مرهون بإيجاد صيغة تعايش تضمن حقوق جميع المكونات، دون إقصاء أو تصفية حسابات تاريخية لا نهاية لها.