: آخر تحديث

دواعش إسرائيل: كهنة الدم والنار

7
9
6

في ظلال التطرف الديني والقومي، تتشكل نسخة إسرائيلية من الإرهاب العقائدي، لا تختلف كثيراً عن أقرانها في العالم، بل قد تتجاوزهم بأساليبها المنهجية ودعمها الرسمي. هؤلاء هم (دواعش إسرائيل)؛ المستوطنون المتطرفون وأتباع الصهيونية الدينية، الذين يمزجون الدين بالسياسة ليحولوا حلم أرض إسرائيل الكبرى إلى كابوس دموي يومي، قائم على التهجير والعنف والاستيطان غير المشروع.

على عكس الحريديم التقليديين الذين يرفضون الصهيونية، هؤلاء أكثر تشدداً، يؤمنون بأن وجود إسرائيل ليس مجرد كيان سياسي، بل مشروع إلهي مقدس يجب توسيعه بأي ثمن. بالنسبة إليهم، الضفة الغربية ليست مجرد أرض محتلة، بل قلب الأرض الموعودة وكل حجر فيها جزء من الخلاص الإلهي وهذا الإيمان المطلق جعلهم أكثر خطورة من أي تيار آخر، إذ يعتبرون الفلسطينيين غرباء على أرضهم، وأي وجود لهم تهديدًا يجب القضاء عليه.

في المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية، يُصنع هذا الإرهاب اليومي تحت غطاء ديني وسياسي. هؤلاء المستوطنون لا يترددون في حرق المنازل، تدمير الحقول، واقتلاع أشجار الزيتون، في مشاهد تذكرنا بممارسات الحروب القروسطية. لا يفرقون بين طفل وشيخ، وكل اعتداء بالنسبة لهم هو عمل مقدس يقربهم من تحقيق النبوءة الكبرى.

خلف الكواليس، تقف أحزاب سياسية دينية متطرفة تمدهم بالدعم، وتضمن توفير الغطاء القانوني والسياسي لاستمرار أعمالهم. على رأس هذه الأحزاب تأتي حركة الصهيونية الدينية، وأحزاب مثل شاس ويهدوت هتوراه، التي ترى في بنيامين نتنياهو الحليف المثالي لمواصلة هذا المشروع. بالنسبة إلى هؤلاء، نتنياهو هو القائد الذي يضمن التوسع الاستيطاني ويمنحهم شرعية سياسية وموازنات ضخمة لمدارسهم الدينية التي تُغسل عقول الأجيال الجديدة بأفكار متطرفة.

إقرأ أيضاً: صهيونيات بغداد ومعادلة السلطة والجنس

بنيامين نتنياهو بدوره يتقن اللعبة، فهو يدرك أنَّ استمرار حكمه يعتمد على دعم هذه الجماعات. في كل انتخابات، يبيع المزيد من الوعود لهم، مقابل ضمان أصواتهم ونفوذهم. لقد تحولت الحكومات الإسرائيلية إلى رهينة لهذه الجماعات، حيث أصبح من المستحيل اتخاذ أي قرار سياسي دون موافقتها. كل خطوة نحو السلام تصطدم بجدار التطرف، وكل محاولة للحوار تُجهض قبل أن تولد.

ما يجعل هؤلاء أكثر خطورة من الجماعات الإرهابية التقليدية هو التسلل الهادئ إلى مفاصل الدولة. لم يعودوا مجرد جماعات هامشية، بل أصبحوا جزءاً من النظام السياسي الإسرائيلي. يفرضون قوانينهم، يديرون مدارسهم الخاصة، وينشرون أيديولوجيتهم في المجتمع دون رقيب أو حسيب. إنهم يمارسون إرهاباً منظماً تحت حماية القانون، حيث تُبرر أفعالهم بأنها دفاع عن (أرض إسرائيل)، بينما هي في الحقيقة حملة تطهير عرقي ممنهجة لا تختلف عن أبشع فصول التاريخ.

إقرأ أيضاً: جيش الأطفال الإسرائيلي: اللقطاء وأبناء إفريقيا المهمشون

في مستوطناتهم المغلقة، يُنشأ الأطفال على كراهية الآخر، يُعلمونهم أن الفلسطينيين ليسوا بشراً يستحقون الحياة، بل عقبة في طريق النبوءة وينشأون في عزلة فكرية تامة عن العالم الخارجي، ما يحولهم إلى قنابل عقائدية موقوتة، جاهزة للانفجار في وجه كل من يخالفهم.

إن وصفهم بـ(دواعش إسرائيل) ليس مبالغة، بل هو توصيف دقيق. فهم يستخدمون الدين ذريعة لشرعنة العنف، يرفضون أي صوت معتدل، ويعتبرون أي حل سلمي (خيانة) تستحق العقاب. مثل داعش، يؤمنون بأنهم الفرقة الناجية الوحيدة، وأن كل من لا ينتمي إلى جماعتهم هو عدو يجب محوه.

إقرأ أيضاً: جيش الظل الإسرائيلي: مرتزقة من جهات العالم الأربع

المجتمع الدولي ينظر إلى إسرائيل كدولة ديمقراطية، لكنه يغض الطرف عن هذه الجماعات التي تقوض كل أسس الديمقراطية من الداخل. إذا استمر هذا التواطؤ والصمت، فإن المنطقة بأكملها ستظل رهينة لهذا الفكر المتطرف الذي لا يعرف سوى لغة الدم والحديد.

دواعش إسرائيل ليسوا مجرد متطرفين على أطراف المجتمع، بل سرطان يتغلغل في مؤسساته، ينشر الكراهية، ويغذي الصراع إلى الأبد. إنهم الإرهاب الحقيقي، الذين لا يحملون سيوفاً، بل يكتبون أوامرهم بالنار والدم، مؤمنين أنهم ينفذون وصايا الرب، بينما هم يقودون المنطقة نحو الفوضى الشاملة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف