: آخر تحديث
بسبب طوفان حماس:

هل يلقى الفلسطينيون مصير الهنود الحمر؟

5
5
3

سألني صديق عن سر التأييد المطلق من جانب أميركا لإسرائيل (بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض)، فذكرت له أسباباً عديدة لا مجال لذكرها هنا، ولكن أحد تلك الأسباب في تقديري أن نشأة إسرائيل تشبه إلى حد كبير نشأة أميركا. حضر مستوطنون من أوروبا واستوطنوا مكاناً كان به بشر ولم يكن خالياً، وفي حالة أميركا قضى المستوطنون على معظم هؤلاء البشر من الهنود الحمر وأنشأوا حضارة رائعة جديدة تماماً تم بناؤها على العلم والقوة، وفي حالة إسرائيل حضر أيضاً مستوطنون معظمهم من أوروبا، وقاموا في البداية بشراء بعض الأراضي والبيوت من أصحابها الفلسطينيين، وبعد إنشاء دولة إسرائيل على العلم والقوة عام 1948، استولوا على الأراضي بالقوة وطردوا أهلها، واضطر بعضهم للحياة أكثر من أربع أجيال في مخيمات لاجئين في ما بقي من فلسطين، وفي لبنان والأردن، وتشرذم البعض الآخر حول العالم.

ولكن الفرق هو أنه في حالة أميركا تم القضاء على الهنود الحمر، أما في حالة إسرائيل فاستطاعت إسرائيل تهجير نصف عدد سكان فلسطين عام 1948، ولكنها لم تستطع القضاء عليهم، وظل حلم عودة اللاجئين قائماً، وظل حلم تكوين دولة فلسطينية قائماً حتى يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2023، ولن أعيد تكرار ما حدث بعد 7 تشرين الأول فالكل يعلمه.

ولقد سعدت بالطبع لوقف إطلاق النار، وسعدت أيضاً بإطلاق سجناء فلسطينيين ورهائن إسرائيليين، ومعظم العرب يعتبرون أن وقف إطلاق النار هو انتصار كبير لفلسطين وحماس، ونحن معشر العرب أساتذة في تحويل كل هزائمنا إلى انتصارات، حتى أكبر هزيمة في التاريخ الحديث عام 1967 أطلقنا عليها اسم الدلع "نكسة"، وهزيمة 1948 أطلقنا عليها اسم دلع آخر "النكبة"، وقد كتبت مرة عن أهمية الاعتراف بالهزيمة، فلو لم نعترف بالهزيمة فلن نعرف الانتصار.

وها هي ملامح انتصار طوفان الأقصى تهب علينا، ناهيك عن 50 ألف ضحية وضعفهم جرحى، وناهيك عن تدمير معظم غزة، فكل هذا لا يهم طالما حماس باقية ولديها بعض الرهائن.

ولكن الأخطر بدأ يتضح فقط بعد أيام من تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكم في أميركا، فها هو سفير أميركا الجديد الذي عيّنه ترامب، السيد (هاكابي)، يصرح بأنه لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، بل اسمها يهودا والسامرة، ولا توجد مستوطنات غير شرعية، ولكنها مدن إسرائيلية، كما أنه ضد فكرة إقامة دولة فلسطينية.

تابع الفيديو لكي تعرف ما قاله السفير (هاكبي):

وفي نفس الوقت تقريباً، أعلن ترامب أنه اتصل بالملك عبد الله ملك الأردن، وبالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لكي يطلب منهما استضافة 1.5 مليون من سكان غزة، ويدعي أن هذا سوف يكون بصفة موقتة لحين إعادة بناء غزة.

وهكذا اتضحت ملامح الخطة كاملة:

الضفة الغربية (وبالطبع القدس مسبقاً) سوف يتم ضمها إلى إسرائيل.

أمَّا غزة (وهي المشكلة الأكبر) فسوف يتم إخلاؤها من السكان "مؤقتاً"، طبعاً "مؤقتاً"، وهذه سوف تستغرق 75 سنة على الأقل، مثل "المؤقتاً" الخاصة بعام 1948، وما زلنا نسمع أغنية العودة لفيروز.

وبذلك تنتهي مشكلة فلسطين، ومش عاوزين نسمع تاني بقى كلمة "فلسطين".

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كل تصريحاته بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) لم يذكر كلمة فلسطين أو الفلسطينيين مرة واحدة.

ترامب، في حفلة توليه السلطة، ذكر إسرائيل وسعادته بالإفراج عن رهائن إسرائيل، وبالطبع لم يذكر كلمة فلسطين، وكانت هذه من المناسبات القليلة جداً أثناء خطابه التي وقف لها كل من في القاعة من أعضاء الحزبين إجلالاً واحتراماً لإسرائيل.

الموضوع واضح أمام عيني تماماً، ولذلك رجعت للكتابة في السياسة رغم قرفي وامتعاضي من السياسة والسياسيين.

أمام مصر والأردن خياران لا ثالث لهما:

إما قبول توطين أهل غزة في مصر والأردن (بالطبع مصر أكثر)،

وإما تحمل قطع المعونات الأميركية، وكذلك قطع توريد قطع غيار وذخيرة الأسلحة الأميركية، التي تشكل الغالبية العظمى من تسليح الجيش المصري.

فهل يقبل المصريون والعرب بهذا؟

لقد ضحت مصر كثيراً بالأرواح والأموال في سبيل قضية فلسطين، وكانت تلك القضية أحد الأسباب الكبرى في تخلف مصر عن ركب حضارة القرن العشرين لما خاضته من حروب بسبب فلسطين.

الأيام والشهور القادمة خطيرة في تاريخ مصر وفلسطين، فهل تقبل مصر؟ وهل يقبل أهل غزة بالتهجير مرة أخرى من بلادهم وأراضيهم؟

وما رأي من بقي على قيد الحياة من قادة حماس؟ هل هذا ما خططوا له قبل طوفان الأقصى؟ وهل طوفان الأقصى يمكن أن يصبح طوفان غزة ويجرف أهل غزة إلى مصر؟

وإلى الأخوة الفلسطينيين والعرب الذين رقصوا فرحاً بانتصار حماس: هل هذا هو ما تحتفلون من أجله؟

أذكرها شهادة للتاريخ: لو لقي الشعب الفلسطيني في غزة والضفة مصير الهنود الحمر، فالسبب يقع في رقبة الزعماء الفلسطينيين، ابتداءً من أمين الحسيني (مفتي القدس)، إلى ياسر عرفات، والشيخ أحمد ياسين، وإسماعيل هنية، ونهاية بيحيى السنوار. سوف يحاسبكم ربكم أشد حساب على ما فعلتموه بشعبكم، سواء بحسن نية أم بسوء نية. وسوف يحاسب الله حساباً عسيراً وشديداً نتنياهو وكل المتطرفين اليهود الذين خالفوا وصايا موسى العشر وقتلوا وسرقوا أراضي الفلسطينيين.

أما باقي الشعب الفلسطيني الغلابة، فمرحباً بهم في مصر لو أرادوا ذلك.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف