تستعد الرياض للاجتماع المرتقب في المملكة العربية السعودية، الذي سيجمع الرئيس الأميركي ترامب بالرئيس الروسي بوتين، وبرعاية خاصة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وسيمثل الوزير الخبير مساعد العيبان الجانب السعودي في الاجتماع التحضيري بالرياض بين المسؤولين الأميركيين والروس، حسب ما أُعلن عنه بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين بتاريخ 12 شباط (فبراير) 2025.
وقبل الخوض في أهمية هذا الاجتماع والظرف الذي استلزم انعقاده، وما سيسفر عنه من نتائج مأمولة لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، يبرز سؤال كبير: لماذا اختيرت المملكة العربية السعودية وعاصمتها الرياض لهذا الاجتماع بالذات؟
جاء اختيار الرياض بعد أن اتفق الجميع على أنها تتمتع برؤية ثاقبة ونهج سياسي راقٍ وواقعي ومعتدل، إلى جانب المصداقية العالية في التعامل، إذ تقول الرياض ما تريد في السر والعلن بلا تغيير، مما جعلها "عاصمة السلام العالمي". كما أن الرياض تتبنى عدداً من مبادرات وملفات السلام على مستوى الشرق الأوسط والعالم، ومنها إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية.
كانت الجهود مستمرة منذ الثالث من آذار (مارس) 2022 للوصول إلى حل سلمي للقضية الروسية - الأوكرانية. وخلال السنوات الثلاث الماضية، واصلت المملكة العربية السعودية مساعيها الحميدة، بما فيها تقريب وجهات النظر وعقد عدد من الاجتماعات بين الطرفين في الرياض.
إقرأ أيضاً: يبقى الأردن عزيزاً ملكاً وشعباً
يعود اختيار الرياض كذلك إلى ثقل المملكة العربية السعودية على الساحة الدولية سياسياً واقتصادياً، ووجود علاقات دبلوماسية مميزة بين المملكة والولايات المتحدة وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا الاتحادية من جهة أخرى. كما توفر أجواء مريحة للحوار والنقاش البناء، إلى جانب قدراتها الهائلة في الاستضافة، وإمكاناتها الفنية والبشرية والتقنية عالية الجودة، ووجود مقار متطورة للمؤتمرات والمراكز الإعلامية، فضلاً عن سهولة الوصول إليها لموقعها الجغرافي والجيوسياسي، وتطور وسائل النقل والضيافة والاتصالات ذات المواصفات العالمية.
ولا بد من الإشادة بما تقدمه المملكة العربية السعودية من جهود وإنجازات في المجالين السياسي والدبلوماسي، حيث تسعى دائماً إلى تعزيز التقارب بين وجهات النظر، والوساطة لحل النزاعات والقضايا الإقليمية والدولية، ومحاولتها تصفير عدد من القضايا العالقة والشائكة، وفتح آفاق للتعاون والتواصل الدولي، مما يسهم في خدمة البشرية جمعاء. وتحظى هذه الجهود بإعجاب العالم وتقديره، نظراً لمساهماتها الإنسانية والإغاثية على مستوى العالم.
اضطلعت مملكة السلام بهذه الجهود كنتيجة طبيعية لحكمة وحنكة القيادة الرشيدة، إذ إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز هو رجل السلام الحقيقي بلا منافس، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو صانع السلام الفعّال على مستوى الشرق الأوسط والعالم. كما أن المملكة تزخر بعدد من صفوة خبراء السياسة وذوي الرأي والمشورة، أمثال سمو الأمير تركي الفيصل، وسمو الأمير بندر بن سلطان، وسمو وزير الخارجية فيصل بن فرحان، ومعالي الأستاذ مساعد العيبان، ومعالي الأستاذ عادل الجبير، وغيرهم من الخبراء والمستشارين المؤهلين تأهيلاً عالياً.
السلم والاستقرار الدوليان لا يتحققان إلا بالسلام، وهو أمر منشود للغاية وله أهميته البالغة، فالأمن يتحقق بالسلام، والتنمية تتحقق بالسلام. وكما أن للحرب فنّاً ومفهوماً، فإن للسلام أيضاً فنّاً ومفهوماً.
إقرأ أيضاً: إسرائيل المجرمة
للأسف، فُهِم السلام على غير وجهه، حيث فسره البعض بأنه حالة من الاستسلام أو الحياد السلبي، مع أنه يعد من أرقى المعاني التي نشدتها الإنسانية طوال مسيرتها وتاريخها. فهو فرصة للعمل والإبداع والتنمية، وتلبية الاحتياجات الثقافية والمادية، كما أنه فترة إعداد لمواجهة أخطار وصراعات متوقعة ومحتملة.
تطور مفهوم السلام كثيراً على مر العصور، لأنه الأساس الذي يتعايش به الناس في حياتهم، وتستقر به أمورهم ودولهم وحضاراتهم. والسلام المنشود يتناقض مع الحروب والعدوان بجميع صوره، ومع الجرائم ضد الإنسانية، بل يتناقض أيضاً مع المنافسة غير الشريفة، والكراهية، والعنصرية السائدة. وعلينا جميعاً أن نكون دعاة سلام.
ويعرّف القانون الدولي "السلام" بأنه حالة الدولة عندما لا تكون في حرب مع دولة أخرى. وللأسف، فإن السلام الدائم المطلق ليس له وجود، ومع تقدم البشرية تحولت حروبها إلى حروب فتاكة خلفت ملايين القتلى والجرحى والأسرى والمشردين.
إقرأ أيضاً: نتنياهو الدموي... شارون الجديد
السلام الحقيقي هو إيقاف الحروب والعداء، وإيجاد حالة من الصداقة والتعاون، على أن يكون السلام من منطلق قوة. ومن الضروري تغليب جانب المصالحة على المصالح، بأدوات ذات نفع تحقق المطالب والمكاسب وفق وسائل وأساليب سلمية وفي أجواء إيجابية، وهذا ما يسمى "فن السلام".
وُصِف القرنان الماضي والحالي بأنهما الأكثر دموية، على الرغم من أنهما أكثر العصور تقدماً في تاريخ الإنسانية. ومع زيادة أخطار الحروب، والرعب النووي، وأسلحة الدمار الشامل، أصبح السلام غايةً مرجوةً يجب أن تسعى كافة الدول والمجتمعات لتحقيقها. وتحول مفهوم السلام إلى صناعة حقيقية تتحقق على يد دول ذات ثقل ومكانة، مثل المملكة العربية السعودية.