أعلنت الحكومة السورية الانتقالية حل حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، ويحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، على أن تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية، في خطوة تصحيحية انتظرها السوريون مدة طويلة.
تأسس الحزب بدمج حركة البعث العربي بقيادة ميشيل عفلق، المفكر القومي، وصلاح البيطار، والبعث العربي بقيادة زكي الأرسوزي بتاريخ 7 نيسان (أبريل) 1947 تحت مسمى حزب البعث العربي، وأسس فروعًا في الدول العربية الأخرى، لكنه لم يصل إلى السلطة سوى في العراق وسوريا.
اندمج حزب البعث العربي مع الحزب العربي الاشتراكي، الذي يقوده أكرم الحوراني، في عام 1952 ليشكل حزب البعث العربي الاشتراكي.
وتبنى الحزب مفهوم البعثية، وتعني "النهضة"، جامعاً بين القومية والوحدة العربية والاشتراكية، بحيث تتحول الأوطان العربية إلى دولة واحدة وفق نظريته.
وكان شعاره الرنان هو: "وحدة، حرية، اشتراكية"، ويرمز إلى الوحدة العربية والتحرر من السيطرة والتدخل غير العربي وفق نظام اشتراكي.
وحُلَّ البعث بعد اتحاد مصر وسوريا تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة، لكنه عاد بعد انفصال سوريا في عام 1961.
وبموافقة عفلق، سيطرت لجنة البعث العسكرية على الحكم في سوريا في انقلاب 1963، تلا ذلك صراع على السلطة بين الفصيل المدني بقيادة عفلق والبيطار ومنيف الرزاز، واللجنة العسكرية بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد.
ونفذت اللجنة العسكرية انقلاب عام 1966، الذي أطاح بالقيادة الوطنية بقيادة عفلق والرزاز وأنصارهما، وطردهم خارج سوريا، ومن هذه اللحظة انقسم حزب البعث إلى فصيلين متخاصمين: عراقي وسوري.
واستولى الفرع العراقي من حزب البعث على السلطة في العراق من خلال تدبير وقيادة "ثورة رمضان"، انقلاب عام 1963، لكنه فقد السلطة بعد عدة أشهر على يد عبد السلام عارف، الذي طرد عفلق وأمين الحافظ من العراق، قبل أن يستعيد البعث العراقي الحكم مرة أخرى في انقلاب 1968 ضد عبد الرحمن عارف، بقيادة حسن البكر وصدام حسين.
لم يستطع حزب البعث حكم نفسه وفرض مبادئه على أجنحته، وبقي مسمى البعث العربي شكلياً في العراق وسوريا، وخصوصاً منذ وصول حافظ الأسد إلى الحكم عام 1971 وصدام حسين في عام 1979، حيث تحول حزب الرفاق إلى حزب الفرد الواحد، والمحكوم بفكر وتصرفات الرجل الواحد وأتباعه المخلصين فقط، وليس الحزبيين، وفق نظام استبدادي.
ففي العراق، كان صدام حسين حتى تم إعدامه، وفي سوريا كان حافظ الأسد، ومن بعده بشار الأسد، حتى تم طرده على يد الثوار السوريين في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024.
كانت فترة حزب البعث في العراق وسوريا، وما تلاها من سيطرة الرجل الواحد، "فترة سوداء كارثية" على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتمخضت عن تصفيات داخلية دامية ومواجهات عسكرية فاشلة الغايات خارجياً، بغض النظر عن الانتصارات التكتيكية، وخصوصاً للجيش العراقي في الحرب العراقية - الإيرانية.
إقرأ أيضاً: قطار الرياض والتشغيل الكامل
ومع شعارات الحزب الرنانة، لم تكن هناك وحدة ولا حرية، فيما تحولت الاشتراكية إلى تأميم كارثي، وأصبح الحزبان مجرد أداة في يدي زعيمين استبداديين: صدام حسين في بغداد، وحافظ الأسد ثم ابنه بشار في دمشق، فقُتل وسُجِن ونُفِي وهُجِّر وشُرِّد على أيديهم الملايين، بما فيهم بعض مواطني دول الجوار كالكويتيين والإيرانيين واللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم.
وتمخضت القومية العربية العلمانية عن مسخ بعيد كل البعد عن القومية العربية، ولم يصمد هذا المسخ طويلاً، وحلت الطائفية والقبلية المناطقية محلهما، ففي العراق كان أقارب ومقربو صدام حسين هم المسيطرين على الحزب والدولة، وفي سوريا كانت عائلة الأسد والعلويون هم المسيطرين على الحزب والدولة.
كان الصعود القوي لحزب البعث في العراق مدعوماً من قوة اقتصاد العراق، وتواصل محافظته على الحكم عبر الدعم العربي، وخصوصاً دول الخليج، حتى غزو الكويت. وبعد تحرير الكويت، تمت محاصرة العراق أكثر من عشر سنوات، ثم غزوه وقلب الحكم فيه و"اجتثاث البعث" على يد الأميركيين، وتسليم العراق للطائفة الشيعية وميليشياتها المدعومة والموالية لإيران، مما شكل خيبة أمل وصدمة كبيرة لدى أطياف الشعب العراقي والعرب كافة.
إقرأ أيضاً: اليمن ودماء المدنيين الرخيصة
وفي سوريا، بقي الأسد قوياً بدعم قوى خارجية، خصوصاً الاتحاد السوفيتي سابقاً، ثم روسيا وإيران، حتى اندلاع الثورة السورية عام 2011، التي واجهت مقاومة وإبادة من قبل نظام الأسد وروسيا وإيران وحزب الله، حتى انتصرت الثورة السورية في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، وتم طرد بشار الأسد ونظامه وحلّ البعث على يد المواطن السوري وقادة ثورته بلا رجعة، مصحوباً بأمل وتطلعات كبيرة بعد عودة سوريا إلى الحضن العربي.