: آخر تحديث

دروب مضاءة

2
1
1

منذ أن طُرح السؤال للمرة الأولى، يعرف طارحوه أن الجواب صعب، وفي أفضل الحالات متعدد: مَن أكثر أهمية: الفرد أم المجموعة؟ التبسيط لا يجدي. ولكن هل رأينا عبر التاريخ مجموعة شعراء تدعى «المتنبي»، أو «شكسبير»؟ بالنسبة إلى عالم الاجتماع هوارد غاردنر (هارفارد)، لا نقاش في الأمر. الفرد هو نبع العبقريات على أشكالها. وقد يكون مغالياً في قناعته، فهو يعتقد أن أعظم رجال التاريخ هو غاندي. وحجّته أن رجلاً مثل غاندي مهّد الطريق لظهور نيلسون مانديلا. الفرد الأعزل غاندي هو الذي قاد 400 مليون هندي إلى الاستقلال. ومن دونه ربما تمزقت الهند إلى ولايات، لا تزال حروبها مشتعلة إلى الآن.

ما هي الموسيقى؟ هي بضعة أسماء خالدة مرت في الزمان مرة واحدة: بيتهوفن، وموتسارت، وشتراوس. وليس الجماهير الألمانية. وما هو الفن في العالم إلا بضعة أسماء مرصوفة إلى جانب بعضها: مايكل أنجلو وبيكاسو ودافنشي؟!

الفرد يصنع الفرق. والمؤسف أنه يصنعه أحياناً للشر والعدم. يتساءل غاردنر: كم كان القرن العشرون سعيداً لولا هتلر وستالين وبول بوت؟! يضيف إلى رجال الخير المستشار الألماني الغربي كونراد أديناور، والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف.

فرد واحد، أو أحياناً مجموعة صغيرة، تقدم للإنسانية تطوراً لا يقدّر بثمن. مارتن لوثر كينغ اختصر النضال ضد العنصرية عشرات السنين. لي كوان يو نقل سنغافورة ومعها آسيا من مستنقع إلى طليعة الأمم.

ما هو السر في هؤلاء السادة؟ الرؤية. الخطوة نحو المستقبل بسرعة المستقبل، لا بأدوات الماضي.

ما هو القاسم المشترك بين هؤلاء الرؤويين؟ العمران. والتقدم. والطمأنينة. جميعهم عملوا من أجل السلام وحققوه. لا ازدهار في الفوضى، ولا طمأنينة في الحروب. وكلمة السر واحدة: الرؤية. عُد إلى التاريخ تجد توقيع صاحب الرؤية على كل إنجاز. وتجد توقيع الخراب على قصار النظر في كل مكان.

الإنجاز إعجاز، والخراب أسهل الشرور. وراء كل منهما فرد ملهم أو معدم. هنيئاً للدول والشعوب التي تُرزق القادة الذين يحوّلون ديارهم إلى منارات ونماذج. قرأت لمسؤول عربي كبير أنه يريد ضم بلاده إلى رؤى مستقبلية عدة، أولها رؤية الأمير محمد بن سلمان. هذه المرة الأولى التي أجد مسؤولاً يتحدث بمثل هذا النبل وهذه الشجاعة. مُفرحة الدروب المضاءة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد