شهدت الولايات المتحدة الأميركية والعالم حفل تنصيب الرئيس الجديد دونالد ترامب للمرة الثانية بعد جدل سياسي ومعركة إعلامية شرسة مع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ونائبته هاريس بوجه خاص، والحزب الديمقراطي عمومًا، لكن المعركة لم تكن دموية، ولم تحمل أهدافًا قاتلة أو انتقامية.
وقع الرئيس الأميركي ترامب فور تسلمه مهامه على قرارات مثيرة للجدل، منها ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي، وخاصة تلك المتعلقة بترحيل الطلبة الأجانب في حال التعبير عن "التعاطف" لصالح حركة "حماس" و"حزب الله"، الجناح الفلسطيني لجماعة "الإخوان المسلمين".
في العالم الشرقي، يمكن تفسير هذه القرارات الأميركية بالتسلط والانفرادية و"الإمبريالية"، نتيجة مفهوم ضيق أو مبدأ سياسي مرفوض للعمل الحزبي، وعدم استيعاب معدلات تغير السياسات والتوجهات بحسب المصالح ومتطلبات المرحلة.
في الشرق، تنطلق فرضيات المؤامرة الأميركية ضد قضايا وشعوب العالم العربي والإسلامي، ومن المرجح أن تنطلق حالة التخوين الشرقية ضد بعض البلدان العربية والخليجية خصوصًا، فالتحالف مع أميركا له معنى غير سياسي، أو بالأحرى له تفسير مباشر ضد القضية الفلسطينية.
المصالح في عالم السياسة غير ثابتة، فهي تتغير مع كل مرحلة ومتطلباتها واحتياجاتها، لكنها شبه ثابتة، ومحظور مناقشة حالة عدم الثبات أو التغيير في آن واحد في عالم شرقي تعصف فيه الصراعات والخلافات السياسية والعرقية والدينية.
حزب العمال البريطاني وقع في فخ الخصام مع الرئيس ترامب نتيجة تدخل غير مباشر وتعاطف مع مرشحة الحزب الديمقراطي هاريس أثناء معركة الانتخابات الرئاسية، لكن هذا لا يعني الاستمرار في المكابرة وعدم ترميم العلاقة مع الرئيس ترامب وإدارته الجديدة.
المكابرة والنكران والتسلط تُعتبر من خصال العالم الشرقي المتحجر سياسيًا وثقافيًا، فعملية التغيير صعبة للغاية، بل مستحيلة المناقشة والقبول، وتُعتبر من المحظورات السياسية عند أنظمة غير مستعدة للتغيير ولا تستوعب المتغيرات السياسية ولغة تبدل المصالح.
الشعب الأميركي لديه أكثر من مزاج، فهناك مزاج حزبي بين ديمقراطي وجمهوري، وأكثر من مزاج مستقل وعفوي بين موافق وغير موافق على سياسات الرئيس ترامب، لكن الجميع يمكنه التعبير عن رأيه ومزاجه بالطرق السلمية والعلنية من دون الفزع من تسلط أمني.
الرئيس ترامب له سجل حافل في التعبير العفوي والصريح والعنيف عن مواقفه وتحليلاته الاقتصادية، التي يقولها كما تخطر على البال، لكنه في النهاية شخصية اقتصادية تجيد لغة الأرقام، وكل ذلك في مقدمة اهتماماته تجاه الشعب الأميركي والعالم ككل، وخصوصًا دول الثروات النفطية.
المعادلات الأميركية تتغير حسب المصالح، وحتما الرئيس ترامب له رؤية مختلفة وأسلوب سياسي يختلف عن الرئيس السابق بايدن، وقد يغلب على رؤية الرئيس الجديد استنزاف ثروات الدول الأخرى، وفرض شروط السلام في الشرق الأوسط؛ فهل العالم الشرقي مستعد لكل ذلك؟
جماهير الشرق التقليدي والجماهير "الحمساوية" لها نظرات مختلفة تجاه الحرب والسلام، والنزاع العسكري والصراع السياسي دون نهاية مع إسرائيل، وهو تقدير غير عملي ومفرط في الخيال، ونمطية في التفكير والتقدير للتطورات السياسية والمستجدات الأميركية.
السياسة الغربية لا تلعب فيها العواطف، ولا تعصف بها الدراما الشرقية كما هو حال بعض الشعوب العربية، والبلدان التي يقودها الانفعال والتشنج، لذلك ليس أمام العالم العربي سوى قراءة فاحصة للسياسة الأميركية الجديدة، ووضع التصورات المشتركة لحلول ناجعة، وليس مستحيلة!
الأمر الواضح في عهد ترامب أن القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة تحتم توقف العادة الشرقية في قولبة الرأي العام والشعوب، وتقديم القراءة المتأنية والنظرة الفاحصة للمشهد الفلسطيني على القراءة المتحجرة والمتشنجة التي تتسم بغسل الأدمغة ونكران الواقع وتبني ثقافة الوهم.
*إعلامي كويتي