في عصرنا الحالي، لم تعد الثروات حكراً على رجال الأعمال أو الصناعيين الكبار، بل دخلت قطاعات جديدة إلى هذا السباق المحموم نحو الثراء. الرياضة والفن، على سبيل المثال، أصبحا منصتين بارزتين لتحقيق أرباح خرافية، بفضل الشعبية الجماهيرية الكبيرة، وتأثير وسائل الإعلام والتسويق الحديث.
في الرياضة، تحولت الأندية الكبرى إلى شركات تجارية ضخمة، تتهافت على التعاقد مع نجومها المفضلين بأرقام قياسية. وفي مجال الفن، تبرز معايير الشهرة والجاذبية في توجيه الأموال إلى أولئك الذين يستقطبون الأضواء، بغض النظر عن القيمة الفنية أحياناً.
ومع هذا، فإنَّ هذه التحولات تكشف عن تباينات صارخة بين أولئك الذين يجنون ملايين الدولارات في وقت قياسي، وبين العاملين في مجالات مثل الثقافة والصحافة، الذين يظلون بعيدين عن أضواء الشهرة والثراء. هذا المقال يتناول ثروات نجوم الرياضة والفن.
وإذا ما وقفنا عند الرياضة وما حصده نجومها الكبار في هذا الإطار، نجد أنه فاق كل التوقعات. فهي أحد أكبر مصادر جمع الثروات، وخصوصاً كرة القدم، التي شهدت ارتفاعاً خيالياً في أسعار اللاعبين. في السنوات الأخيرة، أصبح اللاعبون بمثابة أيقونات تجارية تتهافت الأندية للحصول عليهم بأرقام فلكية. ومن بين أبرز نجوم الرياضة، نذكر كيليان مبابي، نجم باريس سان جيرمان، الذي يُعتبر واحداً من الأغلى عالمياً بفضل مهاراته وقيمته التسويقية. أما ليونيل ميسي، فقد انتقل إلى إنتر ميامي الأميركي بصفقة استثنائية، حيث يتقاضى بجانب راتبه عقوداً مربحة من شركات عملاقة مثل "أديداس" و"آبل".
ويهيمن البرتغالي رونالدو على لائحة الرياضيين الأعلى أجراً بـ 260 مليون دولار، منها 200 مليون دولار من عقده الكروي مع نادي النصر.
وجاء لاعب الغولف الإسباني جون رام ـ الذي انضم إلى "ليف غولف" بتمويل من صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية - في المركز الثاني بـ218 مليون دولار، في حين احتل ليونيل ميسي نجم فريق إنتر ميامي الأميركي المرتبة الثالثة برصيد 135 مليون دولار.
وعزز مبابي - الذي أعلن رحيله عن باريس سان جيرمان ويلعب حالياً في صفوف نادي ريال مدريد مكانته في المراكز العشرة الأولى التي دخلها العام الماضي، ليصبح سادس أعلى رياضي أجراً في العالم.
ويقدر إجمالي إيرادات المهاجم الدولي الفرنسي بـ110 ملايين دولار، إذ يقدر دخله السنوي المرتبط بعقده الكروي بـ90 مليوناً، بالإضافة إلى عقود الرعاية التي تقدر بـ20 مليون دولار.
ومبابي هو اللاعب الفرنسي الأعلى تصنيفاً متقدماً على مهاجم الاتحاد السعودي كريم بنزيمة في المركز الثامن بمبلغ 106 ملايين دولار.
وفي ميركاتو الصيف الماضي، شهدت كرة القدم العالمية انتقالات قياسية. على سبيل المثال:
جود بيلينغهام، اللاعب الإنجليزي الشاب، انتقل إلى ريال مدريد الإسباني مقابل 103 ملايين يورو، ليصبح من الأغلى في الميركاتو.
إقرأ أيضاً: رسالة مفتوحة إلى وزير العدل السوري
ديكلان رايس، نجم وسط منتخب إنجلترا، انتقل إلى آرسنال بصفقة بلغت 116 مليون يورو، كأغلى لاعب في تاريخ النادي.
هاري كين، هداف توتنهام السابق، انتقل إلى بايرن ميونيخ الألماني في صفقة تجاوزت 100 مليون يورو.
على الصعيد العربي، أصبحت الدوريات الخليجية محط أنظار العالم، حيث انضم العديد من النجوم إلى أندية مثل الهلال، الاتحاد، والنصر، مما يعكس ثراء هذه الأندية وقدرتها على المنافسة عالمياً.
في مجال الفن، تتجلى الفوارق بشكل واضح. نجوم الدراما والطرب الذين يقدمون أعمالاً ذات قيمة فنية وثقافية يستحقون الأجور المرتفعة التي يحصلون عليها. لكن في المقابل، خدم هبوط الذائقة العامة عدداً من الفنانين، حيث أصبح المعيار الأساسي للشهرة والجماهيرية هو الشكل والجاذبية.
إقرأ أيضاً: ما مبرر قمع الصحفيين في سوريا؟
من بين هؤلاء، الفنانة هيفاء وهبي، التي رغم تصنيف النقاد الجادين لصوتها بأنه ضمن الدرجات العادية، تمكنت من جمع ثروة هائلة خلال سنوات قليلة، وأصبحت محبوبة الملايين. هذا يعكس مدى تأثير التسويق والجمال الخارجي على المعايير الفنية في العصر الحالي.
ربما يكون العاملون في مجال الثقافة والصحافة هم الأقل حظاً في جمع الثروات. فبينما يتقاضى نجوم الفن أرقاماً خيالية، نجد المفكرين والكتاب العرب يعانون من ضعف الدخل. أجر فنانة مثل هيفاء وهبي في أحد البرامج قد يعادل ما يحصل عليه عشرات الكتاب والمثقفين لقاء كتب استغرق إعدادها سنوات من البحث.
أما الصحفيون، فيعانون من الظروف ذاتها، حيث أن غالبية العاملين في هذا المجال يصنَّفون ضمن الفقراء. وقد يكون الأستاذ محمد حسنين هيكل استثناءً لقاعدتهم، حيث جمع ثروة معتبرة من كتبه وبرامجه التلفزيونية. ويُقال إن ثروة نجليه "علي وأحمد" تقدَّر بعشرة مليارات دولار.
إقرأ أيضاً: كيكل يثير الجدل في النمسا!
خلال زيارة عابرة لأحد متاجر الملابس، لفتني جاكيت يتجاوز سعره 3500 يورو. شعرت بالدهشة وسألت البائعة عن السعر، فأكدت أنه حقيقي. لم أستطع مقاومة تجربة ارتدائه والتقاط صورة تذكارية، لكنه ظل مجرد حلم بعيد المنال. المفارقة هنا أن نسخة مشابهة يمكن شراؤها من "البالة" مقابل عشرين دولاراً فقط.
هذا الواقع يوضح الفجوة بين عالم الأغنياء وعالم الفقراء. فبينما تحقق أشهر الشركات والمصممين أرباحاً خرافية، يبقى الفقراء في معاناتهم، لا يملكون سوى صبرهم على قسوة الحياة.