أنا متزوج، وقد بلغت من العمر أربعين عاماً. قبل أن أتخذ قراري بالزواج، استشرت رجلاً ذا خبرة في الحياة عن معنى الزواج وحقيقته، فأجابني إجابة مختصرة لكنها عميقة: "بالزواج تفقد الحرية، لكنك تكتسب الراحة". وجدت في كلماته دعوة للتأمل في الموازنة بين الحرية والراحة. غلبتني فكرة الراحة، واعتبرت الزواج تجربة تستحق المغامرة، فتزوجت.
مع مرور الأيام، أدركت أنني حصلت على بيت أعيش فيه صحبة حميدة، وأنجبت أولاداً، وحافظت على صحتي، وصرت جزءاً من مجتمع أكبر، لي فيه نصيب ودور. كل هذه المكاسب جعلتني أفكر فيما إذا كنت قد خسرت فعلاً حريتي كما زعم صاحبي. لم أجد أنني فقدت حريتي مطلقاً، وإن كنت فقدتها حقاً، فما شعرت بذلك ولا أدركته. والإدراك هو المقياس الحقيقي في هذا الأمر.
أصبحت فكرة "فقد الحرية" التي يتذرع بها الكثيرون للابتعاد عن الزواج مجرد أكذوبة فكرية، لا أساس لها من الصحة. ما هي هذه الحرية التي يتحدثون عنها؟ أهي حرية الخروج ليلاً وحدك، أو السهر في أماكن متفرقة، ثم العودة إلى غرفة باردة فارغة؟ أم هي حرية التهرب من مسؤوليات بسيطة كغسل الملابس وطبخ الطعام، أو الاعتماد على خدمات باردة يقدمها من لا يهمهم أمرك؟
الزوجة والأسرة تمنحك راحة لا يمكن أن يوفرها أي نزل أو فندق مهما بلغت خدماته. في المقابل، يتحدث العازبون عن أوقات سعيدة يقضونها، لكن هل هناك غبطة تضاهي خروج الرجل بزوجته، وهي جزء منه واسمها موسوم باسمه، إلى عشاء في مطعم أو حفلة أو مسرح؟ إنها لحظات تحمل شعوراً بالانتماء والمشاركة.
أما العازب، وإن خرج بصحبة امرأة لم ترتبط به، فهو دائماً على حافة الضياع بين خوف من الالتزام وهروب إلى عزلة قاسية. يعود في نهاية الأمر إلى غرفته الباردة، في مواجهة صمت ثقيل، يهرب منه إلى صوت مذياع يملأ الفراغ.
في العمل، يُفضَّل الرجل المتزوج عند أصحاب العمل، فهو أكثر استقراراً وموثوقية. المتزوج يتحمل مسؤوليات أكبر تدفعه للعمل الجاد والكفاح من أجل توفير حياة كريمة لعائلته. هذه التحديات تُكوِّن شخصية الرجل وتجعله مواطناً صالحاً يهتم بالمجتمع، ويسعى لإصلاحه لأنه يدرك أن رفاه عائلته مرتبط بجودة الحياة العامة.
إقرأ أيضاً: سقوط الطاغية وبزوغ شمس الحرية
أما العازب، فحياته تدور حول نفسه فقط، فهو لا يعرف تحدي العيش المشترك، ولا يحمل عبء الكفاح المشترك. الزواج أيضًا أكثر اقتصادًا؛ فحياة الزوجين معاً تكلفهما أقل مما قد يكلفهما لو عاش كل منهما بمفرده.
الزواج ليس مجرد ارتباط، بل هو شراكة حقيقية، إحساس بالانتماء والاندماج. في لحظات الفرح والحزن، في السراء والضراء، تجد من يشاركك الحياة. حتى التفاصيل الصغيرة، كضحكك على نكتة أثناء مشاهدة التلفاز، تصبح أكثر متعة حين تشاركها مع شريك حياتك.
النصيحة والتناصح في الزواج أكثر إخلاصاً، وأعمق تأثيراً. نعم، قد تصادف تحديات في الزواج، فهو اجتماع بين شخصين مختلفين، ولكل منهما طبيعته وطباعه. لكن الطبيعة البشرية مرنة، قادرة على التكيف والتوافق، وهو ما يجعل الحياة المشتركة ممكنة ومثمرة.
إقرأ أيضاً: تساؤلات في واقعنا العربي
الزواج فطرة إنسانية، نجده حتى في عالم الحيوانات. كما أن حب الأطفال والرغبة في الإنجاب هي جزء من طبيعتنا البشرية، ولا تتحقق إلا من خلال الزواج. بالزواج، نتماشى مع قوانين الطبيعة التي تدعونا إلى المشاركة والبناء.
في النهاية، إذا كنت متردداً في دخول تجربة الزواج، فلا تبحث عن نصيحة أحد، بل استمع إلى صوت الطبيعة بداخلك. الزواج ليس قيداً، بل هو تجربة تحقق لك الراحة والشراكة والبناء. إنه جزء من طبع الإنسان، وطريقته في السعي لتحقيق حياة متكاملة.. والسؤال الذي ما زال معلقاً هل نحن سعداء في زواجنا؟