برزت ظاهرة السكن المشترك كقضيَّة اجتماعيَّة مهمة في إيران، مما دفع العديد من الأسر نحو ترتيبات معيشية محفوفة بالمخاطر وهدد استقرارها. وقد امتد هذا الاتجاه، الذي اعتُبر في البداية حلاً للطلاب والأفراد العازبين في المقام الأول، إلى مجال الحياة الأسرية في ظل ضغوط اقتصادية متزايدة. ونتيجة لارتفاع تكاليف السكن وانخفاض القدرة الشرائية، أصبحت المزيد من الأسر الإيرانية الآن مضطرة إلى مشاركة المنازل، مما يخلق مجموعة من التداعيات الاجتماعيَّة والنفسيَّة.
الجذور الاقتصادية للسكن المشترك
يسلط أردشير جيرافاند، عالم الاجتماع والباحث الاجتماعي، الضوء على العوامل الاقتصادية التي تغذي هذا التحول. وفي مقابلة مع موقع ديدبان إيران الذي تديره الدولة في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)، أوضح جيرافاند، "إن زيادة تكاليف السكن والفجوة المتزايدة بين دخول الأسر ونفقاتها أجبرت الأسر على تبني أنماط حياة جديدة. في العقود السابقة، غالبًا ما كان الأزواج الشباب يبدؤون الحياة الزوجية في منزل عائلي ثم ينتقلون إلى مسكن مستقل بمجرد استقرارهم ماليًا. ولكن اليوم، تجبر الأزمات الاقتصادية والتكاليف المتصاعدة العديد من الأسر على تقاسم أماكن المعيشة".
وتكشف البيانات الرسمية أن ما يقرب من 35 بالمئة من الأسر الإيرانية ليس لديها مصدر دخل أساسي، أو في أفضل الأحوال، لديها معيل واحد. بالنسبة للأسر التي ليس لديها عمل ثابت أو دخل موثوق، فإن الوضع الاقتصادي يستلزم العيش في ترتيبات سكنية مشتركة. يحذر جيرافاند من أن "البطالة والفقر أجبرا الأسر على هذا النمط من الحياة، مما جلب معه عواقب اجتماعية ونفسية وخيمة".
التأثيرات الاجتماعية والنفسية للعيش الجماعي القسري
لقد أدى العيش الجماعي، وخاصة بين الأسر غير المرتبطة، إلى ظهور العديد من المشاكل، بما في ذلك زيادة معدلات الجريمة والصراعات الاجتماعية. ووفقًا لجيرافاند، فإنَّ غياب الخصوصية في السكن المشترك، إلى جانب التفاعلات القسرية بين الأفراد من خلفيات متنوعة، يزيد من احتمالية العنف والسلوكيات غير الطبيعية والجرائم. ويوضح كذلك، "لقد أدى الافتقار إلى الاستعداد الثقافي للعيش الجماعي في المجتمع الإيراني إلى تغيير أنماط التفاعل وقد يساهم حتى في زيادة حالات العنف الجسدي وسوء السلوك الاجتماعي والجرائم الجنسية".
إنَّ السكن المشترك يطرح تحديات يومية تنبع من الحاجة إلى إدارة المساحات المشتركة مثل المطابخ والحمامات. وغالبًا ما تصبح هذه المساحات المشتركة مصدرًا للتوتر، مما يؤثر سلبًا على الصحة العقلية للسكان. ويشير جيرافاند إلى أن الجرائم الاجتماعية والعنف تشكل بالفعل قضايا في الأسر المستقلة، مؤكدًا أن بيئات المعيشة المشتركة تؤدي إلى تفاقم هذه الظروف.
التحول في ديناميكيات الأسرة الإيرانية
على مدى العقود الأخيرة، أعادت تكاليف المعيشة المرتفعة تعريف البنية الأسرية الإيرانية التقليدية وترتيبات المعيشة. منذ أوائل التسعينيات، كانت هناك رغبة قوية في الاستقلال الاقتصادي والخصوصية بين الأسر، حيث تسعى الأجيال الأصغر سنًا إلى منازل منفصلة بدلاً من أماكن الإقامة المشتركة. ومع ذلك، عكست الأزمة الاقتصادية الحالية هذا الاتجاه، مما دفع الأسر إلى العودة إلى السكن المشترك، مما يذكرنا بالظروف التي سعت منذ فترة طويلة إلى الابتعاد عنها.
وتؤكد ظاهرة السكن المشترك على الأزمة الاقتصادية الشديدة والتفاوت المتزايد الذي يعاني منه المجتمع الإيراني. إن عدم قدرة العديد من الأسر على تحمل تكاليف السكن المستقل هو مؤشر على ارتفاع الضائقة الاجتماعية والجريمة المحتملة. في حين كان الأزواج الشباب يعتمدون في السابق على المساكن العائلية مؤقتًا فقط، فإن الصعوبات الاقتصادية تجبرهم الآن على العيش مع أسر أخرى على المدى الطويل، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى التوظيف الشامل والدعم الاجتماعي والإصلاح الاقتصادي.
الخلاصة: التأثير الأوسع للسياسات الاقتصادية
يشكل هذا الاتجاه المقلق في الإسكان تهديدًا خطيرًا لاستقرار الأسرة والتماسك الاجتماعي. لقد ساهمت السياسات الاقتصادية للحكومة الإيرانية، التي تعرضت للانتقاد بسبب تفاقم الفقر والتضخم، في هذه الأزمة، مما جعل المواطنين عُرضة للخطر في مواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة وفرص كسب العيش المتضائلة. لا تعكس ظاهرة الإسكان المشترك الصراعات الاقتصادية للطبقات المتوسطة والدنيا في إيران فحسب، بل تحذر أيضًا من انهيار اجتماعي وشيك إذا لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة.