أبدأ بالتأكيد على أن لدي الكثير من التحفظات على نتائج القمم العربية والإسلامية، ولحقها أيضًا في السنوات الأخيرة الماضية القمم الخليجية… كتبت عنها مقالات عديدة ... "فليس كل مدردم باذنجان"!
وأقول... لا أدري ما إذا كانت القمة الإسلامية الأخيرة التي عُقدت في الرياض ستنتهي إلى نفس نتائج القمم التي سبقتها، أو تختلف عنها. لكنها قمة واجتماعات عربية وإسلامية أكدت ضرورتها كي يتخذ العرب والمسلمون موقفًا موحدًا يعلنونه للعالم، ويكون أمام الرئيس الجديد في واشنطن.
في كتابي الأخير الذي صدر في 10 أكتوبر 2024، عن الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد جي ترمب بعنوان (الردح يولوجي: سياسة ترمب)، قلت إن منطقتنا العربية لا تزال تشكل معضلة للسياسة الخارجية الأميركية، فمنذ أن ابتدأت واشنطن بالالتفات إلى المنطقة ووراثة النفوذ البريطاني وصياغة التحالفات، وهي في مأزق يتعلق بصعوبة وجود نمط ثابت لإدارة علاقاتها مع حلفائها وخصومها على السواء. لكن تبقى العلاقات السعودية-الأميركية، في رأينا، ذات موقع خاص في السياسة الأميركية، والتغييرات التي قد تطرأ على السياسة الأميركية تجاه المنطقة العربية وقضاياها.
وستبقى هذه المنطقة واحدة من أكثر مناطق النفوذ الأميركي إثارة للجدل، في عهد الرئيس القادم، سواء كانت السيدة کامالا هاريس أو ترمب، بملفاتها الساخنة وأزماتها التي ربما زادت تعقيدًا، خاصة في الفترة الأخيرة مع أحداث السابع من أكتوبر 2023، واندلاع بركان الغضب الفلسطيني ورد الفعل الأميركي-الغربي والدعم اللامحدود سياسيًا وعسكريًا لإسرائيل. لذا تزداد أهمية توثيق العلاقات السعودية-الأميركية. (الصويغ، الردح يولوجي. ص 80).
ونظرًا لعمق وأهمية العلاقات بين الرياض وواشنطن، فإن هذا يستدعي التنسيق المباشر بين قيادتي البلدين، بمن فيهم الرئيس الأميركي ونائبه، والملك السعودي وولي عهده. وبأنه يأتي على قمة اهتمامات الرياض، كما أكدت في كتابي، الحاجة إلى إيجاد "مسار ذي مصداقية نحو حل الدولتين" لإسرائيل والفلسطينيين وضرورة وقف الحرب في غزة وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية. (الصويغ، الردح يولوجي. ص 81).
وطالبت بأنه "لزامًا على دول المنطقة، مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة بعد الانتخابات القادمة، سواء كان رئيسها القادم دونالد ترمب أو كامالا هاريس، أن تُعد مسبقًا كل ملفاتها في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك مع الجانب الأميركي بشكل واضح وصريح يتعرف فيه إلى كافة النقاط بالتفصيل، وهو ما يستدعي ضرورة عقد اجتماعات تمهيدية مسبقة مع جميع الدول والجهات التي سيلتقي بها الرئيس الأميركي، تسبق هذه اللقاءات، تضع فيها هذه الأطراف ورقة عمل مشتركة تكون هي محور النقاش حول القضايا المختلفة في المنطقة (...) وهو ما يستوجب وضع ورقة عمل تفصيلية توضح وجهة النظر العربية والإسلامية من هذه المفاوضات، والحدود المقبولة للتنازلات التي يقدمونها. وهل هناك خيار آخر غير التجاوب مع طروحات السلام وخرائطه التي يحملها الرئيس ترمب وفريق عمله الرئاسي معه للمنطقة؟!" (الصويغ، الردح يولوجي. ص ص 113/114).
وقلت أيضًا إنه "إذا كان الفائز في الانتخابات الأميركية هو الرئيس السابق دونالد ترمب، فيجب أن نتبنى سياسة واضحة في التعامل مع الرجل في حال إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة في 20 يناير 2025. فالرجل واضح، وعلينا أن نكون على نفس درجة أدائه ووضوحه، بل وطريقته، وإلا نكون نحن العرب من يخدع نفسه بالتعامل معه!!" (الصويغ، الردح يولوجي. ص 114).
وهكذا رأيت في القمة العربية-الإسلامية المشتركة غير العادية التي شهدتها الرياض برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023) حدثًا كبيرًا أكد المواقف العربية والإسلامية تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المتوالية بحق سكان قطاع غزة ولبنان، وصياغة موقف عربي إسلامي في مواجهة التداعيات المستمرة للتصعيد الإسرائيلي.
وصدر عن القمة 38 قرارًا أكدت فيه الدول المجتمعة "مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، وفي مقدمها حقه في الحرية والدولة المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية..." ... "ورفض أي قرارات أو إجراءات إسرائيلية تهدف إلى تهويدها وترسيخ احتلالها الاستعماري لها، باعتبارها باطلة ولاغية وغير شرعية بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".
وقد أسعدني بوجه خاص تأكيد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رئيس القمة العربية الإسلامية غير العادية، في كلمته على الاستمرار في سياسة الرياض في دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وأهمية الاستمرار بالعمل الجماعي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وقد شدد سموه بشكل رئيس على ما يلي:
- الرفض الشديد للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
- إدانة عرقلة وصول المساعدات الإنسانية واعتداءات الاحتلال على الأراضي اللبنانية.
- إدانة المملكة للهجمات الإسرائيلية التي تستهدف السيادة الإيرانية.
- أهمية الاستمرار بالعمل الجماعي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض أي محاولات لإضعاف دور السلطة الفلسطينية.
ولعلي أذكر هنا أن موقف سمو ولي العهد هو موقف يمثل التوجه السعودي المستمر والدائم تجاه القضية الفلسطينية، أكده قادة المملكة منذ إنشائها. كما أؤكد من جهة أخرى أن أي اختلاف بين المملكة والولايات المتحدة يجب ألا يذهب إلى حد تعكير علاقاتنا مع واشنطن، وهو ما أكده سمو ولي العهد في لقاء أجراه مع مجلة "أتلانتيك" في مارس 2022، وأكد فيه على عمق العلاقات بين الرياض وواشنطن. قال فيه: "نحن لدينا علاقة طويلة وتاريخية مع أميركا، وبالنسبة لنا في السعودية هدفنا هو الحفاظ عليها وتعزيزها، لدينا مصالح سياسية، ومصالح اقتصادية، ومصالح أمنية، ومصالح دفاعية، ومصالح تجارية، لدينا العديد من المصالح... ولدينا فرصة كبيرة لتعزيز كل هذه المصالح، وأيضًا لدينا فرصة كبيرة لخفضها في عدة مجالات، وإذا سألتنا في المملكة العربية السعودية، فنحن نريد تعزيزها في جميع المجالات".
وهكذا، علينا أن نعترف بأن الولايات المتحدة دولة عظمى، ولا يريد أحد أن تكون عدوًا له. فإذا لم تكن أميركا معنا، فلا أقل ألا تكون ضدنا. لكن المؤسف أن نجد هناك اضطرابًا في سياسة الولايات المتحدة وموقفها من العالم العربي. وتأتي تصريحات رؤسائها متناقضة مع أفعالهم، وكلماتهم فضفاضة. فأميركا لا يهمها في النهاية إلا أن تكون مسيطرة على الأوضاع، مستفيدة من خيرات المنطقة بأي طريقة كانت. كما يجب التأكيد على أن علاقاتنا مع واشنطن لا ترتبط بوجود رئيس أو رحيله، فقد مر على هذه العلاقات 85 عامًا و15 رئيسًا منذ لقاء الملك عبد العزيز مع الرئيس فرانكلين روزفلت وحتى الرئيس جو بايدن. لم تسر العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية على وتيرة واحدة، فرغم كل ما يجمع بينهما من صداقة ومصالح، مرت العلاقات بين البلدين بمنحنيات هبوط وصعود... لكن ظلت هناك دومًا مصالح مشتركة قائمة. فهي ليست علاقة حب وغرام حتى تتحول بين يوم وليلة إلى "غرام وانتقام"!
وأخيرًا، لقد حكمت المصالح المشتركة العلاقات السعودية-الأميركية منذ بدايتها، بغض النظر عن الرئيس القائم أو الحزب الحاكم. وقد عصفت أحداث عالمية بالعالم خلال عمر العلاقات بين البلدين، واشتركا في الكثير من المواقف، وواجها امتحانات ونقاط خلاف، لكن السمة الأبرز في هذه العلاقة هي تغليب المصالح المشتركة. وأكدت، وأؤكد هنا مجددًا أن "علاقتنا مع الولايات المتحدة لا تعني قطع علاقاتنا ومصالحنا مع دول العالم الأخرى... لذا أُثير دائمًا في طبيعة علاقاتنا مع واشنطن معادلة وضعتها، تقول بضرورة: "أن نُبقي على العلاقة مع واشنطن وكأنه ليست هناك علاقة مع دولة أخرى، وأن نُبقي على علاقاتنا مع العالم وكأنه ليست هناك واشنطن"، فمصلحتنا الوطنية لها الأولوية في كل الأوقات، وهو ما يعكسه اليوم هاشتاغ: #السعودية_أولاً". (الصويغ، الردح يولوجي. ص ص 83/84).
قمة... وأفعال!
مواضيع ذات صلة