توقيت إقامة قمة المتابعة العربية الإسلامية في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، يعكس رسالة من السعودية للرئيس المنتخب دونالد ترامب بأن هناك رداً جماعياً صادراً من ثلث سكان العالم (نحو ملياري مسلم) يرفض استمرار هذا الوضع المأساوي والإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل وهم يتفرجون إلى ما لا نهاية.
كما أرسلت السعودية رسالة أخرى إلى ترامب مفادها أنَّ العالم الإسلامي اجتمع على الأراضي السعودية لإيصال رسالته للعالم بأن الوضع في فلسطين لن يستمر، ولن يقبل المسلمون بهذا الواقع الأليم، وهو الموقف الذي كانت بريطانيا تحذر منه. ففي عام 1907 اجتمعت الدول الاستعمارية في لندن، ومنها بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا، لمناقشة استمرار تفوق مكاسب الدول الاستعمارية.
وللحفاظ على تلك المكاسب، اتجهت بريطانيا مع الدول الغربية إلى تدمير الأمة العربية والإسلامية، وتبلور هذا الاجتماع بوثيقة كامبل باترمان عندما دعا وزير الخارجية البريطاني للاجتماع، وتُرجم بصدور اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 لتوزيع أملاك الدولة العثمانية، وتلاه وعد بلفور عام 1917 لاعتبار فلسطين وطناً قومياً لليهود، تكريساً للجهود البريطانية منذ إقامة قنصلية بريطانية في القدس عام 1838، حيث استفادت من قانون الصلح العثماني لدعم اليهود على شراء الأراضي الفلسطينية، في ظل قيود عثمانية صارمة على تملك اليهود، فاحتيال اليهود والبريطانيين أدى لإنشاء مستشفيات ودور أيتام تحولت إلى مستوطنات، حتى بلغ عددها حالياً نحو 44 مستوطنة في الضفة الغربية، ونحو 100 بؤرة جاهزة، بينما اتبع الملالي النهج ذاته بعد ثورات الربيع العربي، خصوصاً في سوريا.
رغم أن طوفان الأقصى أراد وقف التفاوض حول إقامة الدولة الفلسطينية، لأن إيران وتيارات الإسلام السياسي تعتبرها خيانة، وكان طوفان الأقصى حرباً شاملة برعاية إيران، إذ تطالب العرب بالمشاركة فيها واتخاذ الأسرى المدنيين متاريس للتفاوض، بينما لم يتم التوجه لإطلاق الأسرى لتحقيق التفوق الأخلاقي والسياسي، وهو ما يشكل عبئاً على المقاومة.
هذه الأمور لم تؤخذ بعين الاعتبار في حماية شعب غزة، ورغم ذلك، رفضت السعودية والعرب إدانة المقاومة والانحياز للمجتمع الغربي. بل على العكس، سعت السعودية إلى تفكيك هذا الاصطفاف، حيث اعتبرت أن إسرائيل هي من مارست القمع مما أدى إلى طوفان الأقصى، واتهمت السعودية إسرائيل بالمبالغة في ردود الفعل، وانتقدت اصطفاف الغرب مع إسرائيل بحجة الدفاع عن النفس. وقادت السعودية الحشد العالمي ضد إسرائيل من خلال الدعوة إلى قمة عربية إسلامية في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، وترأست لجنة عربية وإسلامية، حيث قام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بجولة زار خلالها نحو 23 دولة خلال 25 يوماً، وتمكنت السعودية من الحصول على موافقة دول رئيسية في أوروبا، مثل النرويج وإسبانيا وإيرلندا، ليصل عدد الدول الداعمة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى نحو 150 دولة. وأعلنت السعودية عن تحالف دولي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، بالإضافة إلى تحالف عربي أوروبي بهذا الشأن. وأكد وزير الدولة البريطانية لشؤون الشرق الأوسط لقناة العربية دعوة بلاده لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، مما يُعتبر نجاحاً للدبلوماسية السعودية.
إقرأ أيضاً: السعودية ومصر ركيزة الاستقرار العربي
منذ القمة العربية الإسلامية الأولى، نجحت السعودية في تقريب وجهات النظر رغم الحذر المستمر تجاه إيران، بينما تعتبر الصين أنها حققت مكسباً جيوسياسياً على حساب الغرب لأول مرة في المنطقة. إلا أن السعودية والدول الإقليمية والدولية الأخرى قررت تفكيك الميليشيات لضمان إقامة الدولة الفلسطينية، ونجحت قمة المتابعة قبل انعقادها في التصدي للتحديات، وتمكنت من توحيد المواقف العربية والإسلامية ووقف توسع الحرب الإقليمية، باعتراف نائب الرئيس الإيراني الذي حضر القمة وقابل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث شكر السعودية على دورها في إقناع أميركا بمنع إسرائيل من شن ضربات أخرى ضد إيران. وقد اتصل الرئيس الإيراني معتذراً عن الحضور لأسباب داخلية، فيما استطاعت السعودية كبح جماح إسرائيل في توسيع المستوطنات في الضفة وغزة والتوسع في لبنان، بينما يراهن ترامب على بنيامين نتنياهو لاتخاذ قرار جريء ينهي الحرب، مما يعد من مخرجات قمة المتابعة.
إقرأ أيضاً: تأثير توترات الشرق الأوسط على الانتخابات الأميركية
تسعى السعودية لنقل المنطقة من زمن الحروب إلى زمن التنافس والاستثمار في الإنسان، والتأسيس لمسار تفاوضي حقيقي يعيد لجسم حركة فتح زمام الأمور لترتيب البيت الفلسطيني وتأمين مستقبل الإنسان الفلسطيني. نحن في عالم جديد وتتاح فرص واعدة؛ فالسعودية انتقلت من الورقة الدبلوماسية إلى الورقة الاقتصادية، مما يحقق مصالح مشتركة ويعزز منافع المنطقة كطريق للممرات الاقتصادية، مثل طريق الحزام والطريق، والممر الهندي إلى أوروبا وأفريقيا. وإذا رفضت إسرائيل حل الدولتين، فلن تسمح السعودية لإسرائيل بالمشاركة في الممر الهندي الأخضر، وستحشد المجتمع الدولي ضدها.