لا تزال شخصية دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق (2017-2021)، الذي أعيد انتخابه رئيساً جديداً للولايات المتحدة تثير الكثير من الجدل، وتَحظى بدعم قوي من قاعدة جمهورية وشعبية واسعة بين المحافظين في الولايات المتحدة. إذ يعتبر البعض أن ترامب يؤدي دوراً مهماً في مستقبل أميركا، وبصورة خاصة ما يتعلق بوعوده لإنقاذ البلاد من التحديات الاقتصادية والأمنية التي يواجهها الأميركيون.
منذ انتهاء ولايته في عام 2021، لم يتوقف ترامب عن التعبير عن آرائه السياسية ومواقفه من القضايا المختلفة عبر تصريحات وفعاليات جماهيرية. وفي حملته الانتخابية لعام 2024، يركز ترامب على تعهده بإعادة "عظمة أميركا" من خلال تعزيز الاقتصاد، وخلق فرص عمل، وتحقيق إصلاحات جذرية في النظام الصحي. يسعى ترامب أيضاً إلى الحد من الهجرة غير الشرعية، مؤكداً أن الإجراءات التي اتخذها سابقاً لتحصين الحدود وحماية الأمن القومي يجب أن تعود بقوة.
كما أنَّ توجهاته في السياسة الداخلية تهدف إلى إعادة توجيه البلاد نحو قيم المحافظة والدفاع عن حرية التعبير والدين. يتعهد ترامب بإعادة الاستقلال إلى المؤسسات الأميركية، ويرى أن الأجندات اليسارية التي تُمارس في البلاد تهدد الاستقرار والهوية الوطنية، مما يجعله بالنسبة إلى مؤيديه يمثل صوتاً للأميركيين الذين يشعرون بالتهميش.
لطالما كانت إيران قضية رئيسية في سياسة ترامب الخارجية، ولهذا تبنى خلال فترة رئاسته موقفاً صارماً من النظام الإيراني. انسحب ترامب في عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته إدارة أوباما في عام 2015، مشيراً إلى أن الاتفاق لم يكن فعالاً في منع إيران من تطوير برنامجها النووي. كما أعاد فرض عقوبات شديدة على طهران بهدف تقليص نفوذها الإقليمي وتضييق الخناق على اقتصادها.
يرى ترامب أن إيران، التي تعتبر مهد الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني عام 1979، تسعى لنشر نفوذها في المنطقة العربية، وتعزيز دورها كقوة إقليمية من خلال دعمها لجماعات مختلفة في لبنان والعراق واليمن وسوريا. يعتبر ترامب إيران مصدراً رئيسياً لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ويؤمن بأن استراتيجيات الحزم هي الطريقة المثلى للتعامل معها.
زيادة على ذلك، ينظر ترامب إلى إيران كخصم أيديولوجي، خاصة أنها تمثل ـ من وجهة نظره ـ الدولة "الشيعية الثورية" التي تتحدى التوازنات الإقليمية، وتحاول بسط هيمنتها في المنطقة عبر الدعم العسكري والسياسي لبعض الجماعات، ويرى أن الإدارة الأميركية يجب أن تكون أكثر قوة في التعامل.
إقرأ أيضاً: حزب الله.. مجازر بلا حدود!
يعد ترامب بالاستمرار في سياسة "الضغط الأقصى" تجاه إيران، ويؤكد أن هذه السياسة هي الوحيدة التي أجبرت طهران على التراجع في بعض المواقف. يخطط ترامب لتوسيع العقوبات الاقتصادية، ودعم الحلفاء الإقليميين في الخليج العربي، وتقوية التحالفات مع الدول التي تعارض السياسات الإيرانية.
كما ينادي ترامب بسياسة رادعة تجاه الطموحات النووية الإيرانية، ويرى أن التعاون مع الدول الأوروبية يجب أن يكون مشروطاً باتفاقيات أكثر صرامة تضمن الحد من نفوذ إيران العسكري والإقليمي بشكل دائم.
باختصار، يرى مؤيدو ترامب أنَّ عودته إلى الرئاسة قد تكون عاملاً حاسماً في "إنقاذ" أميركا من التحديات الداخلية والخارجية، كما يعتقدون أن موقفه الحازم من إيران قد يعزّز من استقرار المنطقة، ويحافظ على مصالح أميركا وحلفائها في الشرق الأوسط. ومع ذلك، تبقى مواقفه وخططه مثار جدل ونقاش واسع، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية التي تحمل تداعيات كبيرة على الأمن والاستقرار العالمي.
إقرأ أيضاً: سوريا وتضييق الخناق على حرية الرأي والتعبير!
إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تؤثر بشكل كبير على استقرار منطقة الشرق الأوسط. خلال ولايته الأولى، اتخذ ترامب قرارات أثارت جدلاً واسعاً، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. هذه الخطوات أدت إلى تصاعد التوترات في المنطقة.
في حال عودته إلى الرئاسة، قد يتبنى ترامب سياسات أكثر حدة تجاه إيران، مما قد يزيد من التوترات الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، قد يعيد التركيز على تعزيز العلاقات مع إسرائيل، ما قد يؤثر في مساعي السلام مع الفلسطينيين.
إقرأ أيضاً: سوريا التي تنعم بالفساد!
من جهة أخرى، قد تسعى دول الخليج إلى تعزيز تحالفاتها مع الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات الإقليمية، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة.
بشكل عام، عودة ترامب إلى قيادة أميركا والعالم، على الرغم من الترحيب به، قد تؤدي إلى زيادة التوترات في الشرق الأوسط، ما يجعل تحقيق الاستقرار تحدياً أكبر!
وفي الإطار يرى بعض المحللين أن سياسات ترامب قد تسهم في تحقيق استقرار نسبي في الشرق الأوسط، من خلال تحفيز بعض الدول على تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ مما يقلل من احتمالية النزاعات بين هذه الدول، ويعزز التعاون الاقتصادي والتجاري بينها، علاوة على ذلك، شدد ترامب على ضرورة وقف الدعم لبعض الجماعات المسلحة التي تعتبرها الولايات المتحدة مصدراً لزعزعة الاستقرار، كجزء من رؤيته لمكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة.
إقرأ أيضاً: اللاعبون.. وخطورة الإصابة في الرباط الصليبي!
مع ذلك، هناك آراء أخرى ترى أن سياسات ترامب قد تزيد من تعقيد الأوضاع، حيث إنها تركز على الحلول قصيرة المدى دون معالجة الجذور العميقة للصراعات في المنطقة، مثل القضية الفلسطينية والتدخلات الخارجية. ويرى المعارضون أن تجاهل ترامب لملف حقوق الإنسان ودعمه لبعض الأنظمة، قد يعزّز من استبداد هذه الأنظمة، ويزيد من التوترات الداخلية.
في المحصلة، يبقى التساؤل حول قدرة ترامب على تحقيق استقرار حقيقي في الشرق الأوسط موضوعاً مفتوحاً، حيث يعتمد تحقيق الاستقرار في المنطقة على تعاون دولي واسع واستراتيجيات طويلة الأمد تعالج جذور النزاعات.