منذ 10 مايو 2024، لم يعلل أو يحلل بعقلانية نائب خاسر أو فائز أو متضرر أو مستفيد من مجلس 2024 وقبله وخاصة مجالس تسيدت خلال 2013-2020، على مآلات التعقيدات النيابية والغوغائية التي قادت إلى الانسداد السياسي وحل مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور!
المتابع المحايد للشأن الكويتي والمؤمن بالديمقراطية يرجح أن ثمة مسؤولية مباشرة وغير مباشرة لأطراف الأزمة السياسية ووراء انفجار العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة والصدام المفتعل الذي نتج عنه السكوت والذهول والمهادنة المفرطة والشماتة السياسية!
النضوج الفكري والسياسي في معالجة عثرات الديمقراطية والأخطاء النيابية والحكومية، غاب عن الساحة السياسية لأنه لم يكن موجوداً على الأقل منذ 2013 لذلك ساد الاستهلاك المفرط للديمقراطية برعاية السلطتين التنفيذية والتشريعية وتنازل الأولى عن مسؤوليتها الدستورية.
الوضع في الكويت بحاجة ملحة إلى مراجعة سياسية واقعية ومناقشة ثقافية عملية وليس فكرية وتطريز نظري!
الحكمة تقتضي الفهم والتفهم السياسي وتحتم التأمل وانتظار تشكيل لجنة صياغة الدستور ومباشرة مهامها والتعاون مع السلطة في عملية إعادة الصياغة لمزيد من الحريات الدستورية والمحافظة على المكتسبات ومعالجة العثرات النيابية والحكومية المفتعلة من السلطتين.
"القرار الصعب" الذي قاد إلى تعليق بعض مواد الدستور وحلس مجلس الأمة لم يكن بحاجة للتهليل أو الهتاف ولكن كثيرون تدافعوا نحو التهليل والـترحيب بينهم الأطراف النيابية الخاسرة والفائزة والأطراف المستفيدة والمحبطة وهم كثر!
ظاهرة الانتهازية والشماتة السياسية قتلت أصحابها قبل الأخرين وهي قصة نيابية كئيبة تكررت في ظل غوغائية سياسية وثقافة ديمقراطية منحرفة!
التهليل بالقرار الصعب لا ينم عن فهم حقيقة المشكلة وأسباب الصدام بين السلطتين والإحباط الشعبي، بل عن مواقف متسرعة وتناقضات سذاجة وتسطيح لأزمة الانسداد السياسي وشيوع الثأر من الديمقراطية التي منحت البعض أو الكل -لا فرق- فرص الاستغلال البشع للديمقراطية!
"القرار الصعب" لم يكن بحاجة للتهليل والتهويل، فالمشهد النيابي كشف عن الوجه القبيح الذي شوه الديمقراطية وعن طغيان المصالح الانتخابية وهشاشة العمل النيابي في المحافظة على المكتسبات الدستورية التي هدرها نواب الأمة قبل غيرهم منذ العام 2013!
كان من الصعب للغاية مناقشة الانتهازية مع انتهازي ومواجهة البشاعة مع مصدرها وتعرية الانتقام مع منتقم وفضح المحاصصة مع اصحابها القبلية والطائفية والفئوية لأن الوضع والمزاج العام مع ذلك السرطان القاتل الذي انتشر دون تدخل رسمي!
الحوار الوطني المأمول تعثر في التنظيم والتخطيط ولم يحظ بتأييد حكومي وتحفز نحو معرفة حقيقة اتجاهات الرأي وتشخيص ملامح الانسداد السياسي واعراضه في مجلس الأمة وخارجه ودور الحكومة في الامتناع عن تقديم العلاج وصرف الدواء!
يبقي الحوار الوطني مهما للغاية في وقت حرج ودقيق حتى لو جاء متأخراً، فالدروس لم تبدأ حتى اليوم!
الكويت، كانت فعلا بحاجة إلى حوار وطني لوضع على طاولة النقاش والتحليل والاستفهام جملة من المشكلات السياسية التي طالت الدستور والممارسة النيابية والعملية الديمقراطية، ولكن الأجواء والظروف لم تكن صحية وغير مشجعة للحوار وكانت الحكومة، صاحبة القرار، غير مؤيدة للحوار!
الحكومة، تعتبر متضررة من المصارحة ومتضررة من المكاشفة وضعيفة في تحمل المسؤولية الدستورية أمام الطرف النيابي الغوغائي.
تحمست، للأسف، الحكومة في العام 2021 لرفع راية "حوار وطني" في حين الواقع يقول إن الحوار لم يكون قائماً لأن -ببساطة- لم تشارك فيه أطياف العمل السياسي وكان حواراً تتحكم فيه أطراف الأزمة في الحكومة ومجلس الأمة!
بالغت أطراف نيابية في لغة الأفضال السياسية والمنن بالنسبة للعفو لعدد من المساجين السياسيين وبالغت الحكومة في السكوت على لغة المنن والإحسان وتشجيعها في الإعلام الرسمي والخاص!
المحزن، أن النظرة الأبوية الحانية لملف العفو السياسي من قبل سمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد اختفت من غاية العفو وتشوهت بمزايدات وتشنجات دون تدخل حكومي في وأد النزعات غير المتسامحة والطموحات المريضة والأنانية القاتلة.
أصبحت الكويت...قصة نيابية كئيبة بعد ما كانت قصة ديمقراطية ملهمة ومبهرة!
الكويت بحاجة لمبادرة سياسية تختصم مصادر الانسداد السياسي وأطرافها تمهيداً للانتقال إلى مرحلة جديدة لصناعة مستقبل ديمقراطي واعد على أساس دستوري متين.
*إعلامي كويتي