يبدو أن أعضاء أوبك المجتمعين في فيينا قد أخفقوا في مساعيهم إلى التوصل إلى اتفاق لخفض الإنتاج بسبب الرفض الإيراني والعراقي حتى لفكرة تجميد الإنتاج.
إيلاف من لندن: ستعقد اللجنة العليا اجتماعًا آخر في 25 نوفمبر للتمهيد للاجتماع الرسمي للدول الأعضاء في أوبك في 30 نوفمبر لبحث الحصص الإنتاجية لكل دولة. وبعد 11 ساعة من المحادثات لم يتم التوصل إلى اتفاق، وطالبت بغداد وطهران بإعفائهما من أي التزام يتعلق بالتخفيض.
لا اتفاق
الهدف من اجتماع اللجنة عالية المستوى من محافظي أوبك وممثلي الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط، الذين يرفعون تقاريرهم إلى الوزراء المعنيين، هو التوصل إلى صيغة توافقية حول تخفيض الإنتاج وإنعاش الأسعار قبل انعقاد الاجتماع الرسمي في أواخر شهر نوفمبر المقبل.
كما هو معروف كانت منظمة أوبك قد اتفقت في الشهر الماضي في الجزائر على تقليص إنتاج النفط الخام إلى نطاق بين 32.50 و33 مليون برميل يوميًا في أول خفض لها منذ 2008 بهدف رفع الأسعار.
وأمس السبت 29 أكتوبر 2016، واصل مسؤولو منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) اجتماعهم لليوم الثاني في العاصمة النمساوية فيينا لبلورة تفاصيل خطتهم الرامية إلى خفض إنتاج النفط، ولم يتوصلوا إلى اتفاق، بعد محادثات استمرت 11 ساعة أول أمس الجمعة، وسط معارضة من إيران، التي ترفض حتى تثبيت إنتاجها.
عقبات متوقعة
وقال أحد المصادر إن اللجنة العالية المستوى للخبراء ستلتقي مجددًا في فيينا يوم 25 نوفمبر قبل الاجتماع المقبل لوزراء أوبك في الثلاثين من الشهر نفسه "لاستكمال الحصص الفردية (حصة إنتاج لكل دولة)". وسيجتمع الخبراء اليوم مع ممثلي منتجين من خارج أوبك، تريد المنظمة مساهمتهم في خفض الإمدادات.
لكن من المتوقع أن يواجه هذا الاتفاق عقبات، بسبب مواقف بعض الدول الأعضاء في المنظومة، مثل العراق، التي تطالب الإعفاء من أية تخفيضات، ومطالب دول، مثل إيران وليبيا ونيجيريا، التي تضرر إنتاجها من جراء العقوبات أو الحروب، وتريد زيادة إنتاجها.
وأشارت وكالات الأنباء إلى ما قاله مندوب في أوبك قبل بدء اجتماع أمس بأن الأمر يزداد تعقيدًا.. في كل يوم تظهر مشكلة جديدة لعرقلة الاتفاق. لكنّ مسؤولين آخرين في منظومة أوبك، وعلى رأسهم الأمين العام محمد باركيندو، كانوا قد قالوا إنهم متفائلون بالتوصل إلى اتفاق نهائي. وقال مصدر في أوبك "لا يوجد اتفاق حتى الآن، فالجميع يتفقون ماعدا إيران"، مضيفًا أن طهران تطلب إعفاءها.
مخاوف السوق
ومن المقرر أن تقوم اللجنة بدراسة تفاصيل تتعلق بالإنتاج الفردي لكل عضو في أوبك. وقال العراق، ثاني أكبر منتج في منظومة أوبك، خلال هذا الأسبوع، إنه لن يخفض إنتاجه، وإنه يجب إعفاؤه من أي قيود على الإنتاج، نظرًا إلى أوضاعه الأمنية.
لكن أعضاء أوبك قد يرفضون إعفاء بغداد وإيران من تخفيض الإنتاج. ومن الجدير بالتذكير أنه عندما التقى أعضاء أوبك مع روسيا في إبريل الماضي للاتفاق حول صيغة لتجميد الإنتاج، رفضت السعودية الموافقة والتوقيع على اتفاق من دون التزام إيران بالاتفاق، وقد تغيّرت هذه المواقف في اجتماع الجزائر في أواخر شهر سبتمبر الماضي، ورأينا بعض الليونة والرغبة في التوصل إلى تسوية، ترضي الغالبية من المنتجين، ولكن العقبة الكبيرة ليست إيران فقط، بل أيضًا العراق.
مخاوف أسواق النفط لم تعد تركز فقط على العقبات التي تضعها إيران أمام التوصل إلى اتفاق لتثبيت الإنتاج، بل أيضًا العراق، الذي سيبقى حجر عثرة، وسيرفض التفاهم والقبول.
مواقف عراقية وإيرانية متطابقة
وكان أول إجراء اتخذه وزير البترول العراقي الجديد هو أنه طلب من شركات النفط، مثل بي بي البريطانية ولاك أويل الروسية وسي.إن. بي. سي الصينية العاملة في جنوب العراق، طلب إعادة إحياء برامج الاستثمار المجمدة سابقًا من أجل رفع الإنتاج. طبعًا لن يرتفع الإنتاج في يوم وليلة، ولكن عاجلًا أم آجلًا سيتعارض ذلك مع أي تعهد عراقي محتمل يتعلق بتثبيت الإنتاج عند مستويات الإنتاج الحالية.
واضح جليًا من تصريحات وزير النفط العراقي جبار اللعيبي أن العراق سوف لا يلتزم باتفاقات تثبيت الإنتاج، حيث قال في سبتمبر الماضي إن لدى وزارته خططًا طموحة واستراتيجية لرفع إنتاج النفط والغاز إلى حين الوصول إلى حصة العراق في منظمة أوبك، مؤكدًا أن "المرحلة المقبلة لكل نشاطات قطاع النفط والغاز في العراق ستشهد تطورًا كبيرًا وقفزات عالية في مجالات فتح الأبواب أمام الاستثمارات المحلية والخارجية، ومن خلال قنوات المشاركة والاستثمار الجزئي أو الكلي".
لكن هذا يتناقض مع تصريح اللعيبي، "إن العراق مستعد للعب دور فاعل داخل منظمة أوبك لدعم أسعار النفط، لكنه لن يضحّي بهدفه المتمثل في توسيع حصته السوقية، وسيواصل زيادة الإنتاج".
وقال اللعيبي، الذي أصبح وزيرًا للنفط خلال الشهر الماضي، إن العراق يريد "تقوية دور أوبك في تحقيق توازن في سوق النفط"، لكن تعليقاته عن مواصلة زيادة الإنتاج تشير إلى أنه لا يتطلع إلى المشاركة في اتفاق محتمل لتجميد الإنتاج. ويبدو أن العراق اتخذ موقفًا سياسيًا داعمًا للموقف الإيراني.
تعليمات خارجية
الموقف العراقي ولهجة التصريحات يعكسان تمامًا الموقف الإيراني، ويعتقد مراقبون سياسيون أن العراق يتلقى التعليمات من طهران ولا يتخذ أي قرار من دون موافقة إيرانية مسبقة.
بدورها، إيران لا تزال تتمسك بمواقفها المتصلبة الرافضة لأي اتفاق حول تخفيض الإنتاج، قبل أن تسترجع مقدرتها الإنتاجية إلى ما كانت عليه قبل فرض العقوبات التي فرضت على طهران من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الأشهر الأولى من عام 2012، وتم رفع العقوبات في أوائل عام 2016. هذا الموقف لم يتغيّر حتى الآن.
وقد شهد الإنتاج النفطي الإيراني ارتفاعات كبيرة في الأشهر الأخيرة. وحسب تقديرات بلومبيرغ، بدأ الإنتاج الإيراني يقارب معدلات عام 2011، وبفارق 80 ألف برميل يوميًا. وهناك تكهنات بأن إيران قد لا تقبل بثبيت سقف الإنتاج في الوقت الذي تواصل العراق فيه رفع وتيرة الإنتاج، والسعودية ترفع الإمدادات المعروضة في الأسواق.
قبول اضطراري
وتبدي إيران تصميمًا على أن يصل إنتاجها اليومي إلى 4 ملايين برميل يوميًا بحلول نهاية شهر سبتمبر المقبل. وعندما يصل إنتاجها اليومي إلى نقطة القمة، ولن تعود قادرة على رفع الإنتاج من دون استثمارات ضخمة وتكلفة باهظة وفترة زمنية طويلة، ربما حينها قد تقبل بالتثبيت والتجميد.
في هذا السياق، قالت إيران في الأسابيع الماضية إنها لن تتعاون في المحادثات المقبلة التي عقدها المنتجون في الجزائر في أواخر سبتمبر الماضي في الجزائر إلا إذا اعترف المصدرون بحق طهران في استعادة حصتها في السوق، والتي فقدتها خلال العقوبات الدولية، التي لم تُرفع عنها إلا في يناير. وتشدد طهران على أنها لن تكون مستعدة لدعم أي إجراء مشترك، إلا بعد وصولها إلى مستوى الإنتاج قبل العقوبات، والبالغ أربعة ملايين برميل يوميًا.
ويعتقد المراقبون لأسواق النفط أن هذه المواقف المتصلبة سوف تقلل من احتمال نجاح مؤتمر أوبك الرسمي المقرر عقده في 30 نوفمبر، وستبقى السوق متخمة بالنفط، والأسعار تتذبذب حول نطاق 45 إلى 50 دولارًا للبرميل.