إيلاف من مراكش: في معرضها "المرئي المكشوف"، الذي تنظمه المؤسسة الوطنية للمتاحف، بمتحف الروافد دار الباشا، في مراكش، تواصل الفنانة التشكيلية المغربية لالة السعيدي مساءلة التمثلات الثقافية للجسد الأنثوي في العالم العربي والإسلامي، من خلال معروضات تسلط الضوء على سلسلة "حريم" الشهيرة لهذه الفنانة التي أكدت حضورها وقيمتها داخل وخارج المغرب، والتي تستكشف البنيات الاجتماعية والتاريخية المعقدة التي تحيط بمفهوم الحريم كفضاء خاص بالنساء في العالم الإسلامي.
لا يمكن لمضمون أعمال السعيدي وفضاء "دار الباشا" الذي يحتضنها إلى غاية شهر مارس من السنة المقبلة، إلا أن يدفع المتلقي إلى الربط بين منجز هذه الفنانة وثراء المدينة التي نشأت بها ، بشكل جعلها تستمد أعمالها من أصولها وتجاربها الشخصية، هي التي تقول إن أعمالها لا تعبر عن حكايتها فحسب، بل تعكس أيضا حياة المرأة العربية بشكل عام؛ كما توثق لتجربتها كامرأة عربية نشأت في ثقافة إسلامية تراها اليوم "من زاوية مختلفة تماما". وتضيف: "إنها قصة بحثي عن صوت الفنانة الفريد الذي بداخلي وليست محاولة لوضع نفسي كضحية، فهذا قد يحرمني من التعبير عن تعقيد المواضيع التي أعالجها".
قفاطين وحناء
داخل فضاء العرض الخاص بأعمال السعيدي يجد الزائر نفسه منبهرا، مأخوذا بروعة المعروض ومكان العرض على حد سواء. تحفتان تتماهيان، تلخص لمتعتهما الفاتنة كلمة واحدة: الجمال. تتعلق الأعين باللوحات ال17 التي تزين جدران فضاء العرض داخل المتحف، في وقت يزيد فيه أزرق ماجوريل الذي يزين الخلفية المشهد تناسقا وروعة.
من أعمال لالة السعيدي في معرض "المرئي المكشوف"
يحتفي معرض السعيدي، الذي يستعيد التاريخ ويعيد في الوقت نفسه إحياء الصور والمكان كفضاء محمل بالتاريخ، بمجموعة من الأعمال التي أبدعتها السعيدي داخل "دار الباشا" سنة 2009، والتي تخوض في موضوعات النوع الاجتماعي والهوية والتاريخ الثقافي للعالم العربي.
تعتبر المرأة، التي تمثلها السعيدي في أعمالها، عنصرا فاعلا يسائل نظرة المشاهد ويدعوه للتأمل، إذ تستعمل الخط العربي، الذي هو ممارسة رجالية بامتياز، وذلك للكتابة على وجوه وأيدي وأرجل النساء، مستخدمة في ذلك الحناء التي تعد تقليدا نسائيا، متجاوزة بذلك النظم الاجتماعية السائدة. فيما يعبر الخط عن رؤى الفنانة وتأملاتها الشخصية، مما يعطي صوتا للمرأة العربية التي لطالما عاشت في صمت وتوار عن الأنظار.
دار الباشا
خلال زيارته للمعرض، يجد الزائر نفسه موزعا بين متعة المنجز الفني الذي تقترحه السعيدي وفتنة "دار الباشا"، التي تعد من مفاخر العمارة والتراث المادي المغربي في المدينة العتيقة لمراكش.
وتتميز زخرفة بناية "دار الباشا" برقة وانسجام نادرين، حيث يدل الزليج والأسقف الخشبية المنقوشة على غنى ودقة النمط الزخرفي المغربي، كما يظهر نظام التزويد بالمياه وصرفها ونظام التسخين في الحمام التقليدي براعة وحنكة الحرفي المغربي.
زوار في معرض السعيدي
عند مدخل البناية، يقرأ الزائر في لوحة تعريفية: "سهر على بنائها باشا مراكش التهامي الكلاوي (1878 - 1956) في سنة 1910. وسعى إلى أن تكون منافسة لصروح شيدت أواخر القرن التاسع عشر كدار السي سعيد، وقصر الباهية ودار المنبهي،فأضحت نموذجا لرياض تتوسطه حديقة وتحيط به عدة غرف، وفضاء للحريم، وملحقات هي عبارة عن مكتبة وحمام تقليدي ومسجد صغير. كل ذلك في تصميم بديع، جمع بين مهارة الصانع المغربي وأساليب المعمار المغربي. وقد عنيت المؤسسة الوطنية للمتاحف بإعادة تهيئتها منذ أن ألحقت بها في يوليو 2015، وحولتها الى "متحف الروافد دار الباشا" إبرازا للتعددية الثقافية التي تميز الهوية المغربية من خلال برمجة ثقافية غنية ومتنوعة".
فضاء مجازي
في منجزها، تركز السعيدي كثيرا على مسألة الربط بين الفضاءالذي نشأت فيه ومضمون وشكل اختياراتها الفنية. تقول: "بطريقة ما، يشكل مفهوم المكان بمعناه الحرفي والمجازي هاجسا أمثله في أعمالي كما بنيته في ذاكرتي، إذ تعبر صوري عن حاجتي الماسة إلى إحياء الأماكن الملموسة، لاسيما تلك المرتبطة بطفولتي، إذ أدركت مع مرور الوقت أنه من أجل التطور كفنانة، كان علي العودة إلى منزل طفولتي في المغرب وتوثيق هذا العالم الذي لم أغادره كليا قط. لكي أفهم حاضري كامرأة، كان علي أن أستحضر طفولتي، فقد كنت بحاجة إلى العودة إلى الثقافة التي ترعرعت فيها لفهم تطور علاقتي مع "المجالات المتقاطعة" في حياتي الحالية.
زوار في معرض السعيدي
كانت هذه الثقافة، وطفولتي داخلها، مرتبطة بفضاءات منزلية محددة لا تزال قائمة ولكنها تتلاشى ببطء، لذلك أخذت على عاتقي حفظها قبل أن تختفي، وبذلك فهمت دورها في تشكيل الفضاء المجازي لطفولتي".
زليج وخشب منحوت
تُبرز أعمال السعيدي أهمية الفن والعمارة في الثقافة الإسلامية التي تتميز بزخارف هندسية ونباتية وكتابات معقدة، إذ تضم صورا فوتوغرافية لنساء ترتدين قفاطين منمقة بإتقان، تمتزج مع الزليج والخشب المنحوت في تناغم تام مع الزخارف المحيطة بها. وتتحدى السعيدي من خلال عدستها الفنية هذه البنيات الاجتماعية وتعيد تفسيرها، مقدمة قراءة جديدة لحياة المرأة ودورها في هذه البيئات المنعزلة.
حريم واستشراق
يتقدم وصف ومفهوم "الحريم"، كإطار حدده الفنانون الاستشراقيون للمرأة الشرقية، مجالا للعيش ومضمونا للحياة، قبل أن يتحول، في عالم السعيدي الفني، إلى فسحة تضمن اشتغالا تستخدم فيه الحناء مادة تلوينية، لإخفاء وتجميل جسم المرأة، في نفس الوقت، بل تصل علاقة مجال العيش بحياة المرأة، في بعض لوحاتها، إلى حد تماهي الساكنات بالمسكن.
من أعمال لالة السعيدي في معرض "المرئي المكشوف"
بالنسبة للسعيدي، يتعلق الأمر بمشروع واحد ومتواصل تشتغل عليه، ينقل لسيرة شخصية ولسيرة كل النساء العربيات، مشددة على أن تجربتها الفنية تتأسس على حياتها، كما عاشتها، وعلى حياة باقي النساء العربيات، في آن. وتبعا لهذا المشروع، يدخل تركيز السعيدي على الأزياء التقليدية، مقابل الحناء، في أعمال سابقة، ضمن نظرة نقدية لأعمال الفنانين الاستشراقيين الذين اشتغلوا على المرأة الشرقية، متخيلين عوالم حريم لا توجد في أرض الواقع.
وفي سياق محاكمتها لأعمال الاستشراقيين، تشدد السعيدي على إن إبداعهم لم يتوقف عند حدود الإنتاج الفني الذي يحتمل النقد، بل تحول إلى مرجع تأسست عليه أحكام معظم الغربيين، الذين صدقوا ما نقلته لهم أعمال الاستشراقيين، الشيء الذي جعلهم يتحولون إلى الشرق باحثين عمّا نقل إليهم، ليخلقوا عوامل ألف ليلة وليلة خاصة بهم، متوسلين في ذلك قوة المال والاقتصاد، الشيء الذي جعلنا نعيش، اليوم، استشراقا معاصرا بنفس مضمون نظرة الفنانين المستشرقين السابقين، تقريبا.
تجارب شخصية
غالبا ما تمزج السعيدي في أعمالها الفنية بين الخط العربي وتمثيلات للشكل الأنثوي، إذ تستكشف من خلاله الواقع المعقد لهوية المرأة العربية، معبرة بذلك أيضا عن تجاربها الشخصيةكفنانة. كما تعكس أعمالها ذكريات طفولتها بالمغرب عبر عدسة امرأة ناضجة تتنقل بين الماضي والحاضر، هي التي لطالما استمدت صورها من المخيلة الاستشراقية التي ميزت بعضا من تيارات الفن الغربي، مشجعة بذلك المُتلقي على إعادة النظر في الرواية التي يقدمها الفنانون المستشرقون.
تلخص أعمال السعيدي لاشتغال فني يوثق لمفهوم الجمال من خلال التقاليد والماضي، وإعادة الاعتبار للمرأة الشرقية في واقعها الحقيقي لا المتخيل، ما جعلها تفتح نافذة تاريخية على هوية المرأة وثقافتها، وحتى بيئتها المعمارية، مع تناول تداعيات الحاضر على أوضاعها، ولذلك لم تفعل، في أعمالها، أكثر من العودة إلى طفولتها، في مراكش، لتعطيها فرصة استعادة الماضي، لكن بنظرة الحاضر. تقول: "لا أنكر أن الثقافة العربية تتميز بالاستمرارية والامتداد، غير أن فكرة تمثيلي لجميع النساء العربيات لا تشعرني بالراحة، فالفن لا يمكن أن ينبع إلا من فردية صاحبه، كما أنني على دراية تامة بتنوع التقاليد والأعراف في مختلف الدول العربية ولا أزعم أنني أتحدث باسمها جميعا".
سيرة فنانة
تعيش السعيدي (56 سنة) بين المغرب والولايات. اختارت منذ 1990 مسارا مستقلا كامرأة وكفنانة على حد سواء، إذ انتقلت إلى باريس من أجل الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة لدراسة الرسم، كما حصلت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة، سنة 2003، من مدرسة متحف الفنون الجميلة بجامعة تافتس ببوسطن، لتبدأ في استكشاف وتجربة التصوير الفوتوغرافي الذي سرعان ما أصبح تقنيتها الفنية المفضلة.
وعرضت السعيدي أعمالها في كبريات المدن الأميركية، مثل شيكاغو ونيويورك وبوسطن. كما عرضت أعمالها في إنجلترا وفرنسا وهولندا والإمارات العربية المتحدة واليابان وأذربيجان وسنغافورة، وغيرها. بينما توجد أعمالها ضمن مجموعات فنية في المغرب والولايات المتحدة وبريطانيا وقطر والبحرين، وغيرها من المؤسسات الفنية والمتحفية، عبر العالم.
تلخص أعمال السعيدي لاشتغال فني يوثق لمفهوم الجمال من خلال التقاليد والماضي، وإعادة الاعتبار للمرأة الشرقية في واقعها الحقيقي لا المتخيل، ما جعلها تفتح نافذة تاريخية على هوية المرأة وثقافتها، وحتى بيئتها المعمارية، مع تناول تداعيات الحاضر على أوضاعها، ولذلك لم تفعل، في أعمالها، أكثر من العودة إلى طفولتها، في مراكش، لتعطيها فرصة استعادة الماضي، لكن بنظرة الحاضر. تقول: "لا أنكر أن الثقافة العربية تتميز بالاستمرارية والامتداد، غير أن فكرة تمثيلي لجميع النساء العربيات لا تشعرني بالراحة، فالفن لا يمكن أن ينبع إلا من فردية صاحبه، كما أنني على دراية تامة بتنوع التقاليد والأعراف في مختلف الدول العربية ولا أزعم أنني أتحدث باسمها جميعا".
سيرة فنانة
تعيش السعيدي (56 سنة) بين المغرب والولايات. اختارت منذ 1990 مسارا مستقلا كامرأة وكفنانة على حد سواء، إذ انتقلت إلى باريس من أجل الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة لدراسة الرسم، كما حصلت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة، سنة 2003، من مدرسة متحف الفنون الجميلة بجامعة تافتس ببوسطن، لتبدأ في استكشاف وتجربة التصوير الفوتوغرافي الذي سرعان ما أصبح تقنيتها الفنية المفضلة.
وعرضت السعيدي أعمالها في كبريات المدن الأميركية، مثل شيكاغو ونيويورك وبوسطن. كما عرضت أعمالها في إنجلترا وفرنسا وهولندا والإمارات العربية المتحدة واليابان وأذربيجان وسنغافورة، وغيرها. بينما توجد أعمالها ضمن مجموعات فنية في المغرب والولايات المتحدة وبريطانيا وقطر والبحرين، وغيرها من المؤسسات الفنية والمتحفية، عبر العالم.